للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوَصِيّةَ بعدَ الجَرْحِ صَدَرَتْ من أهْلِها في مَحَلِّها، ولم يَطْرَأْ عليها ما يُبْطِلُها، بخِلَافِ ما إذا تَقَدَّمَتْ، فإنَّ القَتْلَ طَرَأَ عليها فأبْطَلَها، لأنَّه يُبْطِلُ ما هو آكَدُ منها، يُحَقِّقُه (١١) أنَّ القَتْلَ إنَّما مَنَعَ المِيرَاثَ، لكَوْنِه بالقَتْلِ اسْتَعْجَلَ المِيرَاثَ الذي انْعَقَدَ سَبَبُه، فعُورِضَ بِنَقِيضِ قَصْدِه، وهو مَنْعُ المِيرَاثِ، دَفْعًا لِمَفْسَدةِ قَتْلِ المَوْرُوثِينَ، ولذلك بَطَلَ التَّدْبِيرُ بالقَتْلِ الطارِئِ عليه أيضًا، وهذا المعنى مُتَحَقِّقٌ في القَتْلِ الطارِئِ على الوَصِيَّةِ، فإنَّه ربَّما اسْتَعْجَلَها بِقَتْلِه. وفارَقَ القَتْلَ قبلَ الوَصِيَّةِ، فإنَّه لم يَقصِدْ به اسْتِعْجالَ مالٍ، لِعَدَمِ انْعِقادِ سَبَبِه، والمُوصِى راضٍ بالوَصِيَّةِ له بعدَ صُدُورِ ما صَدَرَ منه في حَقِّه، ولا فَرْقَ بين العَمْدِ والخَطإِ في هذا، كما لا يَفْتَرِقُ الحالُ بذلك في المِيرَاثِ، وعلى هذا متى دَبَّرَ عَبْدَه بعدَ جَرْحِه إيَّاه، صَحَّ تَدْبِيرُه.

٩٧٦ - مسألة؛ قال: (وَإذَا قَالَ: أحَدُ عَبْدَىَّ حُرٌّ. أُقْرِعَ (١) بَيْنَهُمَا، فَمَنْ تَقَعُ عَلَيْهِ الْقُرْعةُ، فَهُوَ حُرٌّ، إذَا خرَجَ مِنَ الثُّلُثِ)

وجملةُ ذلك أنَّه إذا أعْتَقَ عَبْدًا غيرَ مُعَيَّنٍ، فإنَّه يُقْرَعُ بينهما، فيَخْرُجُ الحُرُّ بالقُرْعةِ. وقال أبو حنيفةَ، والشافِعِىُّ: له تَعْيِينُ أحَدِهِما بغيرِ قُرْعةٍ؛ لأنَّه عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ في غير مُعَيَّنٍ، فكان التَّعْيِينُ إلى المُعْتِقِ، كالعِتْقِ في الكَفّارةِ، وكما لو قال لِوَرَثَتِه: أَعتِقُوا عنى عَبْدًا. ولَنا، أنَّه عِتْقٌ اسْتَحَقَّه واحدٌ من جَماعةٍ مُعَيَّنِينَ، فكان إخْرَاجُه بالقُرْعةِ، كما لو أعْتَقَهُما فلم يَخْرُجْ من ثُلُثِه إلَّا أحَدهُما، ودَلِيلُ الحُكْمِ في الأصْلِ، حَدِيثُ عِمْرانَ بن حُصَيْنٍ (٢). فأمَّا العِتْقُ في الكَفَّارةِ، فإنَّه لم يَسْتَحِقَّه أحدٌ، إنَّما اسْتُحِقَّ على المُكَفِّرِ التَّكْفِيرُ. وأمَّا إذا قال: أعْتِقُوا عَنِّى عَبْدًا. فإن لم يُضِفْه إلى عَبِيدِه، ولا إلى جَماعةٍ سِوَاهم، فهو كالمُعْتَقِ في الكَفَّارَةِ. وإن قال: أعْتِقُوا أحَدَ عَبِيدِى. احْتَمَلَ أن نقولَ بإخْرَاجِه بالقُرْعةِ كمَسْأَلَتِنا، واحْتَمَلَ أن يُرْجَعَ فيه إلى اخْتِيارِ الوَرَثةِ. وأصْلُ


(١١) في م: "ويحققه".
(١) في الأصل، أ: "قرع".
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٣٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>