للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحدٍ منهما في آلةِ صِنَاعَتِه. فعلى هذا يَحْلِفُ رَبُّ الثَّوْبِ: ما أذِنْتُ لك في قَطْعِه قَبَاءً. ويَكْفِى هذا لأنه ينْتَفِى (٢٥) به الإِذْنُ، فيَصِيرُ قاطِعًا لغيرِ ما أُذِنَ فيه. فإن كان القَبَاءُ مَخِيطًا بِخُيُوطٍ لِمَالِكِه، لم يَمْلِكِ الخَيّاطُ فَتْقَه، وكان لِمَالِكِه أخْذُه مَخِيطًا بلا عِوَضٍ؛ لأنَّه عَمِلَ في مِلْكِ غيرِه عَمَلًا مُجَرَّدًا عن عَيْنٍ مَمْلُوكةٍ له، فلم يكُنْ له إزَالَتُه، كما لو نَقَلَ مِلْكَ غيرِه من مَوْضِعٍ إلى مَوْضِعٍ، لم يكُنْ له رَدُّه إذا رَضِىَ صاحِبُه بِتَرْكِه فيه. وإن كانت الخُيُوطُ لِلخَيّاطِ، فله نَزْعُها؛ لأنَّها عَيْنُ مالِه، ولا يَلْزَمُه أخْذُ قِيمَتِها؛ لأنَّها مِلْكُه، ولا يَتْلَفُ بأَخْذِها مالَه حُرْمَةٌ. فإن اتَّفَقَا على تَعْوِيضِه عنها، جازَ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما. وإن قال رَبُّ الثَّوْبِ: أنا أشُدُّ في كلِّ خَيْطٍ خَيْطًا. حتى إذا سَلَّهُ عادَ خَيْطُ رَبِّ الثَّوْبِ في مَكانِه، لم يَلْزَمِ الخَيَّاطَ الإِجَابةُ إلى ذلك؛ لأنَّه انْتِفَاعٌ بمِلْكِه. وحُكْمُ الصَّبّاغِ في قَلْعِ الصِّبْغِ إن أحَبَّه، وفي غيرِ ذلك من أحْكَامِه، حُكْمُ صِبْغِ الغاصِبِ. على ما مَضَى في بابِه. والذي يَقْوَى عندى، أنَّ القولَ قولُ رَبِّ الثَّوْبِ؛ لما ذَكَرْنا في دَلِيلِهِم.

فصل: وكلُّ من اسْتُؤْجِرَ على عَمَلٍ في عَيْنٍ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أن يُوقِعَهُ وهى في يَدِ الأجِيرِ، كالصَّبَّاغِ يَصْبُغُ في حَانُوتِه، والخَيَّاطِ في دُكَّانِه، فلا يَبْرَأُ من العَمَلِ حتى يُسَلِّمَها إلى المُسْتَأْجِرِ، ولا يَسْتَحِقُّ الأجْرَ حتى يُسَلِّمَه مَفْرُوغًا منه؛ لأنَّ المَعْقُودَ عليه في مُدَّةٍ، فلا يَبْرأُ منه ما لم يُسَلِّمْه إلى العاقِدِ، كالمَبِيعِ من الطَّعامِ، لا يَبْرَأُ منه قبلَ تَسْلِيمِه إلى المُشْتَرِى. وأمَّا إن كان يُوقِعُ العَمَلَ في مِلْكِ المُسْتَأْجِرِ، مثل أن يُحْضِرَهُ المُسْتَأْجِرُ إلى دَارِه لِيَخِيطَ فيها، أو يَصْبُغَ فيها، فإنَّه يَبْرَأُ من العَمَلِ، ويَسْتَحِقُّ أجْرَه بمُجَرَّدِ عَمَلِه؛ لأنَّه في يَدِ المُسْتَأْجِرِ، فيَصِيرُ مُسَلِّمًا لِلْعَمَلِ حالًا فحالًا. ولو اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَبْنِي له حائِطًا في دارِه، أو يَحْفِرُ فيها بِئْرًا، لَبَرِىءَ من العَمَلِ، واسْتَحَقَّ أجْرَه بمُجَرَّدِ عَمَلِه. ولو كانت البِئْرُ في الصَّحْراءِ، أو الحائِطُ، لم يَبْرَأ بمُجَرَّدِ العَمَلِ. ولو انْهارَتْ


(٢٥) في ب، م: "يبتغى".

<<  <  ج: ص:  >  >>