للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتَّفَقَا على (١٨) الإِذْنِ واخْتَلَفَا في صِفَتِه، فكان القولُ قولَ المَأْذُونِ له، كالمُضَارِبِ إذا قال: أذِنْتَ لي في البَيْعِ نَسَاءً. ولأنَّهما اتَّفَقَا على مِلْكِ الخَيّاطِ القَطْعَ، والصَّبَّاغِ الصَّبْغَ. والظاهِرُ أنَّه فَعَلَ ما مَلَكَه، واخْتَلَفَا في لُزُومِ الغُرْمِ له، والأصْلُ عَدَمُه. فعلى هذا يَحْلِفُ الخَيَّاطُ والصَّبَّاغُ باللهِ لقد أذِنْتَ لي في قَطْعِه قَبَاءً، وصَبْغِه أحْمَرَ. ويَسْقُطُ عنه الغُرْمُ، ويكونُ له أجْرُ مِثْلِه؛ لأنَّه ثَبَتَ وُجُودُ فِعْلِه المَأْذُون فيه بعِوَضٍ، ولا يَسْتَحِقُّ المُسَمَّى؛ لأنَّ المُسَمَّى ثَبَتَ بِقَوْلِه ودَعْوَاه، فلا يَحْنَثُ بِيَمِنِه (١٩)، ولأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَوْ يُعْطى النَّاسُ بِدَعْوَاهُم، لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وأمْوَالَهُم، ولكِنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ". أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (٢٠). فأمَّا المُسَمَّى في العَقْدِ، فإنَّما يَعْتَرِفُ رَبُّ الثَّوْبِ بِتَسْمِيَتِه أجْرًا، وقَطْعِه قَمِيصًا، وصَبْغِه أسْوَدَ. فأمَّا من قال: القولُ قولُ رَبِّ الثَّوْبِ. فإنَّه يَحْلِفُ بالله: ما أذِنْتُ (٢١) في قَطْعِه قَبَاءً، ولا صَبْغِه أحْمَرَ. ويَسْقُطُ عنه المُسَمَّى. ولا يَجِبُ لِلخَيّاطِ والصَّبّاغِ شيءٌ؛ لأنَّهما فَعَلَا غيرَ ما أذِنَ لهما فيه. وذَكَرَ ابنُ أبي موسى، عن أحمدَ، رِوَايةً أخرى، أنَّ صاحِبَ الثَّوْبِ إذا لم يكُنْ ممَّن (٢٢) يَلْبَسُ الأَقْبِيةَ والأحمرَ (٢٣)، فالقولُ قولُه، وعلى الصَّانِعِ غُرْمُ ما نَقَصَ بالقَطْعِ، وضَمَانُ ما أفْسَدَ، ولا أجْرَ له؛ لأنَّ قَرِينةَ حالِ رَبِّ الثَّوْبِ (٢٤) تَدُلُّ على صِدْقِه، فتَتَرَجَّحُ دَعْوَاه بهما، كما لو اخْتَلَفَا في حائِطٍ لأحَدِهِما عليه عقدٌ أو أَزَجٌ، رَجَّحْنا دَعْوَاه بذلك. وإن اخْتَلَفَ الزَّوْجانِ في مَتَاعِ البَيْتِ، رَجَّحْنا دَعْوَى كلِّ واحدٍ منهما فيما يَصْلُحُ له. ولو اخْتَلَفَ صانِعانِ في الآلةِ التي في دُكَّانِهِما، رَجَّحْنا قولَ كلِّ


(١٨) في م: "في".
(١٩) في الأصل: "بقسمته".
(٢٠) تقدم تخريجه في ٦/ ٥٢٥.
(٢١) في ب زيادة: "لك".
(٢٢) سقط من: ب.
(٢٣) في الأصل، م: "السواد".
(٢٤) في م: "المال".

<<  <  ج: ص:  >  >>