للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَبْسِها ومَنْعِها مِنَ التَّزَوُّجِ بغيرِه؛ لأجل اشْتباهِها، ومتى عَلِمْنَاها بعَيْنِها، إمَّا بِتَعْيِينِه، أو قُرْعةٍ، فعِدَّتُها مِن حِينَ طلَّقَها، لا مِن حينَ عَيَّنَها. وذَكَرَ أبو حنيفةَ، وبعضُ أصحابِ الشَّافعىِّ، أَنَّ عِدَّتَها من حينِ التَّعْيينِ. وهذا فاسدٌ؛ فإنَّ الطَّلاقَ وَقَعَ حينَ إيقاعِه، وثَبَتَ حُكْمُه فى تَحْريمِ الوَطْءِ، وحِرْمانِ الميراثِ مِنَ الزَّوْجِ، وحِرْمانِه منها قَبْلَ التَّعْيينِ، فكذلك العِدَّةُ، وإنَّما التَعْييتُ تَبَيُّن لِمَا كان واقِعًا. وإِنْ ماتَ الزَّوجُ قبلَ البيانِ، فعلى الجميعِ عِدَّةُ الوفاةِ، فى قولِ الشّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وعَطاء الخُرَاسَانِىِّ. قال أبو عُبَيْدٍ: وهو قولُ أهلِ الحجازِ والعراقِ؛ لأنَّ كُلَّ واحدةٍ مِنْهُنَّ يَحْتَمِلُ أنَّها باقيةٌ على النِّكاحِ، والأصلُ بَقاؤُه، فَتَلْزَمُها عِدّتُه. والصّحيحُ أنَّه يَلْزَمُ كُلَّ واحدةٍ أطولُ الأجَلَيْنِ، مِن عِدَّةِ الوفاةِ وعِدَّةِ الطَّلاقِ، لَكِن عِدَّةُ الطَّلاقِ مِن حينَ طَلَّقَ، وعِدّةُ الوفاةِ مِن حينِ مَوْتِه؛ لأنَّ كُلَّ واحدةٍ منهنَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عليها عِدَّةُ الوفاةِ، ويَحْتملُ أنَّها المُطلَّقةُ، فعليها عِدَّةُ الطَّلاقِ، فلا تَبْرَأُ يقينًا إلَّا بأطْولِهِما. وهذا فى الطَّلاقِ البائِنِ، فأمَّا الرَّجْعِىُّ؛ فعليها عِدّةُ الوفاةِ بِكُلِّ حالٍ؛ لأنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ.

فصل: إذا ادَّعَتِ المرأةُ أَنَّ زوجَها طلَّقَها، فأنْكَرَها، فالقولُ قولُه؛ لأنَّ الأصلَ بَقاءُ النِّكاحِ وعَدَمُ الطَّلاقِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لها بما ادَّعَتْه بَيِّنَةٌ، ولا يُقْبَلُ فيه إلَّا عَدْلَانِ. ونَقَلَ ابنُ منصورٍ، عن أحمدَ، أنَّه سُئِلَ: أَتَجُوزُ شَهادةُ رَجُلٍ وامرأتينِ فى الطَّلاق؟ قال: لا واللَّهِ. إنَّما كانَ كذلك لأنَّ الطَّلاقَ ليس بمالٍ، ولا المقصودُ منه المالُ، ويَطَّلِعُ عليه الرِّجالُ فى غالبِ الأحْوالِ، فلم يُقْبَلْ فيه إلَّا عَدْلانِ، كالحدودِ والقِصَاصِ. فإن لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ، فهل يُسْتَحْلَفُ؟ فيه روايتانِ؛ نَقَلَ [أبو طالبٍ] (٩) أنَّه يُسْتَحْلَفُ. وهو الصَّحيحُ؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَلَكِنَّ الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ" (١٠). وقوله: "الْيَمِينُ عَلَى مَنْ


(٩) فى ب، م: "أبو الخطاب".
(١٠) تقدم تخريجه فى: ٦/ ٥٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>