للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ} (٣). يَعْنى إذا اغْتَسَلْنَ. هكذا فَسَّرَهُ ابنُ عباسٍ. ولأنَّ اللهَ تعالى قال في الآية: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (٤). فأثْنَى عليهِم، فيدُلُّ على أنه فِعْلٌ منهم أثْنَى عليهِم به، وفِعْلُهُم هو الاغْتِسَالُ دُونَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، فَشَرَطَ لإِباحَةِ الوَطْءِ شَرْطَيْن: انْقِطَاعَ الدَّمِ، والاغْتِسَالَ، فلا يُبَاحُ إلَّا بهما، كقولِه تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (٥). لمَّا اشْتَرَطَ لِدَفْعِ المالِ إليهم بُلُوغَ النِّكاحِ والرُّشْدَ لم يُبَحْ إلَّا بهما. كذا ههنا، ولأنَّها مَمْنُوعَةٌ مِن الصَّلاةِ لِحَدَثِ الحَيْضِ، فلم يُبَحْ وَطْؤُها كما لو انْقَطِعَ لِأقَلِّ الحَيْضِ. وما ذَكَرُوه مِن المعنى مَنْقُوضٌ بما إذا انْقَطَعَ لِأقَلِّ الحَيْضِ، ولِأنَّ حَدَثَ الحَيْضِ آكَدُ مِنْ حَدَثِ الجَنَابَةِ، فلا يَصِحُّ قِيَاسُه عليه.

١٠٠ - مسألة؛ قال: (وَلَا تُوطَأُ مُسْتَحَاضَةٌ إلَّا أَنْ يَخافَ عَلَى نَفْسِهِ)

اخْتَلَفَ (١) عن أحمدَ، رَحِمَه اللهُ، في وَطْءِ المُسْتَحَاضَةِ، فرُوِى ليس له وَطْؤُها إلَّا أنْ يَخَافَ على نَفْسِهِ الوُقُوعَ في مَحْظُورٍ. وهو مذهبُ ابنِ سِيرِينَ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، والحاكِمِ (٢)؛ لِما رَوَى الخَلَّالُ، بإسْنَادِه، عن عائشةَ، أنَّها قالتْ: المُسْتَحَاضَةُ لا يَغْشَاها زَوْجُها (٣). ولأنَّ بها أذًى، فيَحْرُمُ وَطْؤُها كالحائِضِ؛ فإنَّ اللَّه تعالى مَنَعَ وَطْءَ الحائِضِ مُعَلِّلًا بالأذَى بِقولِه: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}. أمَرَ باعْتِزَالِهِنَّ عَقِيبَ الأذَى مَذْكُورًا بفاءِ التَّعْقِيبِ، ولِأنَّ الحُكْمَ إذا ذُكِرَ مع وَصْفٍ يَقْتَضِيه ويَصْلُحُ له، عُلِّلَ به، كقولِه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ


(٣) سورة البقرة ٢٢٢.
(٤) لم يرد في م: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}.
(٥) سورة النساء ٦.
(١) أي: النقل.
(٢) أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن محمد النيسابورى، ابن البيع، الشافعي الحاكم الحافظ، صاحب التصانيف في علوم الحديث، توفى سنة خمس وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى ٤/ ١٥٥ - ١٧١.
(٣) أخرجه البيهقى، في: باب صلاة المستحاضة واعتكافها. . . إلخ، من كتاب الحيض. السنن الكبرى ١/ ٣٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>