للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسنُ جائِزَتَه، وأبَى ابنُ سِيرِينَ أن يَقْبِضَ، فقال لِابن سِيرِينَ: مالَكَ لا تَقْبِضُ؟ قال: حتى يَعُمَّ الناسَ. فقال الحسنُ: واللَّهِ لو عَرَضَ لَكَ ولى لِصٌّ، فأخَذَ رِداِئى ورِداءَك، ثم بَدَا له أن يَرُدَّ علىَّ رِدائِى، كنت أقولُ: لا أقْبَلُ رِدائِى حتى تَرُدَّ على ابن سِيرِينَ رِدَاءَه؟ كنتُ أُحِبُّ أن تكونَ أفْقَه ممَّا أنتَ يا ابْنَ سِيرِينَ. ولأنَّ جواِئزَ السلطانِ لها وَجْهٌ فى الإِباحةِ والتَّحْلِيلِ، فإنَّ له جِهَاتٍ كثيرةً من الفَىْءِ والصَّدقةِ وغيرِهما.

فصل: وقال أحمدُ (١١): جوائزُ السلطانِ أحَبُّ إلىَّ من الصدقةِ. يعنى أَنَّ الصَّدقةَ أوْساخُ الناسِ، صِينَ عنها النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وآلُه، لدَناءَتِها، ولم يُصانُوا عن جَوائزِ السُّلطانِ. وسُئِلَ أحمدُ عَمَّنْ عامَلَ السلطانَ فرَبِحَ ألفًا، وآخرَ أجازَه السُّلْطانُ بألْفٍ، أيُّهُما أحَبُّ إليك؟ قال: الجائِزةُ. وذلك لأنَّ الذى يَرْبَحُ عليه (١٢) ألفًا، لا يَرْبَحُها فى الغالِب إلَّا بنوْعٍ من التَّدْلِيسِ والغَبْنِ الفاحِشِ، والجائزةُ عَطاءٌ من الإِمامِ برِضَاه (١٣)، لا تَدْلِيسَ فيها ولا غبْنَ. وقال أحمدُ: إذا كان بَيْنَكَ وبين السلطانِ رَجُلٌ. يعنى فهو أحَبُّ إلىَّ من أخْذِه منه. وذلك لأنَّ الوَسائِطَ كلَّما كَثُرَتْ، قَرُبَت إلى الحِلِّ؛ لأنَّها مع البُعْدِ تَتَبدَّلُ، وتَحْصُلُ فيها أسبابٌ مُبِيحَةً، واللَّه سُبْحانَه أعلمُ.


(١١) فى أ، ب زيادة: "فى".
(١٢) سقط من: ب.
(١٣) فى ب زيادة: "لأنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>