للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالصَّدقةِ بما أخَذُوه. وإنَّما فَعَلَ ذلك؛ لأنَّ أمْوالَهُم تَخْتَلِطُ بما يأخُذُونَه من الحرامِ من الظُّلْمِ وغيرِه، فيَصِيرُ شُبْهةً، وقد قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ، والْحَرامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُها كَثِيرٌ مِنَ النَّاس، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ [اسْتَبْرأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، وَمَنْ وَاقَعَ الشُّبُهاتِ] (٣) أوْشَكَ أنْ يَقَعَ فِى الْحَرَامِ، كالرَّاتِعِ حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أنْ يَقَعَ فِيهِ" (٤). وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعْ ما يُرِيبُكَ إلَى مَا لَا يُرِيبُكَ" (٥). واحْتجَّ أحمدُ بأنَّ جماعةً من الصحابةِ تَنَزَّهُوا عن مالِ السُّلْطانِ؛ منهم حُذَيْفةُ، وأبو عُبَيْدةَ، ومعاذٌ، وأبو هُريرةَ، وابنُ عُمَرَ. ولم يَرَ أبو عبدِ اللَّه ذلك حَرامًا؛ فإنَّه سُئِلَ، فقِيلَ له: مالُ السُّلْطانِ حَرَامٌ؟ فقال: لا، وأحَبُّ إلىَّ أن يتنَزَّه عنه. وفى روايةٍ قال: ليس أحدٌ من المسلمينَ إلَّا ولَه فى هذه الدَّراهِمِ حَقٌّ، فكيف أقولُ إنَّها سُحْتٌ؟ وقد كان الحسنُ، والحسينُ، وعبدُ اللَّه بن جَعْفَرٍ، وكثيرٌ من الصَّحابةِ، يَقْبَلُونَ جوائِزَ مُعاوِيةَ. ورُوِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: لا بأسَ بجَوائزِ السُّلْطانِ، ما يُعْطِيكُم من الحلالِ أكْثَرُ مما يُعْطِيكُم من الحَرَامِ (٦). وقال: لا تسأل السلطانَ شيئًا، فإن أعْطاكَ فخُذْ؛ فإنَّ ما فى بيتِ المالِ من الحلالِ أكثرُ ممَّا فيه من الْحَرامِ (٦). ورَوَى (٧) عمرُ بن شَبَّةَ (٨) النُّمَيْرِىُّ (٩) فى "كتابِ القضاءِ" أَنَّ الحسنَ، وابنَ سِيرِينَ، والشَّعْبىَّ، دخلُوا على عمرَ بن هُبَيرةَ، فأمَرَ لكلِّ واحدٍ منهم بألفِ دِرْهمٍ [ألفِ درهمٍ] (١٠)، وأمرَ للحسنِ بألْفَىْ درهمٍ، فقَبَضَ


(٣) سقط من: ب.
(٤) تقدم تخريجه فى: ٦/ ٣٧٢.
(٥) تقدم تخريجه فى: ٦/ ٣٧٣.
(٦) ذكره صاحب كنز العمال ٤/ ٥٨٤، عن ابن جرير ووكيع.
وقد سبق فى: ٢/ ٢٩٧.
(٧) فى أزيادة: "عن".
(٨) فى النسخ: "شيبة".
(٩) فى م: "البحترى".
وهو عمر بن زيد (شبة) بن عبيدة النميرى، المؤرخ المحدث، توفى سنة أربع وستين ومائتين. تاريخ التراث العربى ١/ ٢/ ٢٠٥ - ٢٠٧.
(١٠) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>