الفصل الثالث: أنَّه لا يَنْعَقِدُ إلَّا بشَهادةِ مُسْلِمَيْنِ، سواءٌ كان الزَّوْجانِ مُسْلِمَيْنِ، أو الزَّوْجُ وَحْدَه. نصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ الشَّافعىِّ. وقال أبو حنيفةَ: إذا كانت المرأةُ ذِمِّيّةً، صَحَّ بشَهادةِ ذِمِّيَّيْنِ. قال أبو الخَطَّابِ: ويَتَخَرَّجُ لنا مثلُ ذلك، مَبْنِيًّا على الرِّواية التى تقولُ بقَبُولِ شَهادةِ بعض أهلِ الذِّمَّةِ على بعضٍ. ولَنا، قولُه عليه السلام:"لَا نِكَاحَ إلَّا بوَلِىٍّ، وشَاهِدَىْ عَدْلٍ". ولأنَّه نِكاحُ مُسْلِمٍ، فلم يَنْعَقِد بشَهادةِ ذِمِّيَّينِ، كنِكاحِ المُسْلِمَيْنِ.
فصل: فأمَّا الفاسِقانِ، ففى انْعِقادِ النِّكاحِ بشَهادَتِهِما رِوَايتان؛ إحْداهما، لا يَنْعَقِدُ. وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ للخَبَرِ. ولأنَّ النِّكاحَ لا يَثْبُتُ بشهادَتِهِما، فلم يَنْعَقِدْ بحُضُورِهما، كالمَجْنُونَيْنِ. والثانية، ينعقدُ بشهادَتِهِما. وهو قولُ أبى حنيفة؛ لأنَّها تَحَمُّلٌ، فصَحّتْ من الفاسقِ، كسائرِ التَّحَمُّلاتِ. وعلى كلتا الرِّوَايتين لا يُعتَبَرُ حَقِيقَةُ العَدالةِ، بل ينْعَقِدُ بشهادةِ مَسْتُورِى الحالِ؛ لانَّ النِّكاحَ يكونُ فى القُرَى والبادِيةِ، وبين عامَّةِ الناس، ممَّن لا يَعرِفُ حقيقةَ العَدَالةِ، فاعْتِبارُ ذلك يَشُقُّ، فاكتُفِىَ بظاهرِ الحالِ، وكَوْنِ الشَّاهدِ مَسْتُورًا لم يَظْهَر فِسْقُه، فإن تَبَيَّنَ بعدَ العَقْدِ أنَّه كان فاسِقًا، لم يُؤَثِّرْ ذلك فى العَقْدِ؛ لأنَّ الشرطَ العَدَالةُ ظاهرًا، وهو أن لا يكونَ ظاهِرَ الفِسقِ، وقَد تَحَقَّقَ ذلك. وقيل: نَتَبَيَّنُ أن النِّكاحَ كان فاسِدًا؛ لعَدَمِ الشَّرطِ. وليس بصحيحٍ؛ لأنَّه لو كانت العدالةُ فى الباطن شَرْطًا، لَوجَبَ الكَشفُ عنها؛ لأنَّه مع الشكِّ فيها يكونُ مَشْكُوكًا [فى شَرْطِ النِّكاحِ](٢٦)، فلا يَنْعَقِدُ، ولا تَحِلُّ المرأةُ مع الشكِّ فى صِحّةِ نِكَاحِها. وإن حَدَثَ الفِسْقُ فيهما، لم يُؤَثِّرْ فى صِحةِ النِّكاحِ؛ لأنَّ الشَّرْطَ إنَّما يُعْتَبَرُ حالةَ العَقْدِ. ولو أقَرَّ رَجُلٌ وامرأةٌ أنَّهما نَكَحَا بوَلِىٍّ وشاهِدَىْ عَدْلٍ، قُبِلَ قَوْلُهما، وثَبَتَ النِّكاحُ بإقْرارِهِما.
فصل: ولا يَنْعَقِدُ بشهادةِ رجلٍ وامرأتَيْنِ. وهذا قولُ النَّخَعِىِّ، والأوْزاعىِّ،