للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممَّن قال بصِحَّةِ عَفْوِ المَجْرُوحِ عن دَمِه؛ مالكٌ، وطاوسٌ، والحسنُ، وقَتادةُ، والأوْزاعيُّ. وقال أصحابُ الشافعيِّ: إذا قال: عَفَوْتُ عن الجِنايةِ، وما يَحْدُثُ منها. ففيه قَوْلان؛ أحدهما (٤٢)، أنَّه وَصِيَّةٌ، فَيُبْنَى على الوَصِيَّةِ للقاتلِ، وفيها (٤٣) قَوْلان؛ أحدهما، لا يَصِحُّ، فتَجِبُ دِيَةُ النَّفْسِ إلَّا دِيَةَ الجُرْحِ. والثاني، يَصِحُّ، فإن خَرَجَتْ من الثُّلثِ سَقَطَ، وإلَّا سَقَطَ منها ما خَرَجَ من الثُّلثِ، ووَجَبَ الباقي. والقولُ الثاني، ليس بوَصِيَّةٍ؛ لأنَّه إسْقاطٌ في الحَياةِ، فلا يَصِحُّ، وتَلْزَمُه دِيَةُ النَّفْسِ إلَّا دِيَةَ الجُرْحِ. ولَنا، أنَّه أسْقَطَ حَقَّه بعدَ انْعِقادِ سَبَبِه، فسَقَطَ، كما لو أسْقَطَ الشُّفْعةَ بعدَ البَيْعِ، إذا ثَبَتَ هذا، فلا فَرْقَ بين أن يَخْرُجَ من الثُّلُثِ أو لم يَخْرُجْ؛ لأنَّ مُوجِبَ العَمْدِ القَوَدُ، في إحْدَى الرِّوْايتَيْنِ، أو أحَدُ شَيْئينِ، في الرِّوايةِ الأُخْرَى، فما تَعَيَّنَتِ الدِّيَةُ، ولا تَعَيَّنتِ الوَصِيَّةُ بمالٍ، ولذلك صَحَّ العَفْوُ من المُفْلِسِ إلى غيرِ مالٍ. وأمَّا جِنايةُ الخَطَإِ، فإذا عَفَا (٤٤) عنها وعمَّا يَحْدُثُ منها، اعْتُبِرَ خُرُوجُها من الثُّلُثِ، سواءٌ عَفَا بلَفْظِ العَفْوِ أو الوَصِيَّةِ أو الإِبْراءِ أو غيرِها، فإن خَرَجَتْ من الثُّلثِ، صَحَّ عَفْوُه في الجميعِ، وإن لم تَخْرُجْ من الثُّلثِ، سَقَطَ عنه من دِيَتِها ما احْتَمَلَه الثُّلثُ. وبهذا قال مالكٌ، والثَّوْرِيُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. ونحوَه قال عمرُ بن عبد العزيزِ، والأوْزاعِيُّ، وإسحاقُ؛ لأنَّ الوَصِيَّةَ ههُنا بمالٍ.

فصل: فإن اخْتَلَفَ الجانِي والوَلِيُّ أو المَجْنِيُّ عليه. فقال الجانِي: عَفَوْتَ مُطْلقًا. وقال المَجْنِيُّ عليه: بل عَفَوْتُ إلى مالٍ. أو قال: عَفَوْتَ عن الجِنايةِ وما يَحْدُثُ منها. قال: بل عَفوْتُ عنها دون ما يَحْدُثُ منها. فالقولُ قولُ المجْنِيِّ عليه أو وَلِيِّه إن كان الخِلافُ معه؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ العَفْوِ عن الجميعِ، وقد ثَبَتَ العَفْوُ عن البعضِ بإقْرارِه، فيكونُ القولُ في عَدَمِ سِواهُ (٤٥) قولَه.


(٤٢) سقط من: ب.
(٤٣) في م: "وفيه".
(٤٤) سقط من: الأصل.
(٤٥) في م: "سقوطه".

<<  <  ج: ص:  >  >>