للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علىٌّ، رَضِىَ اللهُ عنه: فى كل شَهْرٍ مَرَّة. وكان أنَسٌ إذا حَمَّمَ رَأْسُهُ (٣٣) خَرَجَ فَاعْتَمَرَ. رَوَاهُما الشَّافِعِىُّ، فى "مُسْنَدِهِ" (٣٤). وقال عِكْرِمَةُ: يَعْتَمِرُ إذا أمْكَنَ المُوسَى من شَعْرِهِ. وقال عَطاءٌ: إن شاءَ اعْتَمَرَ فى كل شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ. فأمَّا الإِكْثارُ من الاعْتِمارِ، والمُوَالَاةُ بَينهما، فلا يُسْتَحَبُّ فى ظَاهِرِ قَوْلِ السَّلَفِ الذى حَكَيْنَاهُ. وكذلك قال أحمدُ: إذا اعْتَمَرَ فلا بُدَّ من أن يَحْلقَ أو يُقَصِّرَ، وفى عَشَرَةِ أيَّامٍ يُمْكِنُ حَلْقُ الرَّأْس. فظاهِرُ هذا أنَّه لا يُسْتَحَبُّ أن يَعْتَمِرَ فى أقَلَّ من عَشَرَةِ أيَّامٍ. وقال فى رِوَايَةِ الأَثْرَمِ: إن شاءَ اعْتَمَرَ فى كلِّ شَهْرٍ. وقال بعضُ أصْحابِنا: يُسْتَحَبُّ الإِكْثارُ من الاعْتِمارِ. وأقوالُ السَّلَفِ وأحْوَالُهم تَدُلُّ على ما قُلْنَاهُ، ولأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصْحَابَه لم يُنْقَلْ عنهم المُوَالَاةُ بينهما، وإنَّما نُقِلَ عنهم إنْكارُ ذلك، والحَقُّ فى اتِّبَاعِهم. قال طَاوُسٌ: الذين يَعْتَمِرُونَ من التَّنْعِيمِ، ما أَدْرِى يُؤْجَرُونَ عليها أو يُعَذَّبُونَ؟ قيل له: فلم يُعَذَّبُونَ؟ قال: لأنَّه يَدَعُ الطَّوَافَ بالبَيْتِ، ويَخْرُجُ إلى أرْبَعَةِ أمْيَالٍ ويَجِىءُ، وإلى أن يَجِىءَ من أَرْبَعَةِ أمْيَالٍ قد طافَ مائتَىْ طَوَافٍ، وكلَّما طَافَ بالبَيْتِ كان أَفْضَلَ من أن يَمْشِىَ فى غيرِ شىءٍ. وقد اعْتَمَر النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَ عُمَرٍ فى أرْبَعِ سَفْرَاتٍ، لم يَزِدْ فى كل سَفْرَةٍ على عُمْرَةٍ واحدةٍ، ولا أحَدٌ مِمَّنْ معه، ولم يَبْلُغْنَا أنَّ أحَدًا منهم جَمَعَ بين عُمْرَتَيْنِ فى سَفَرٍ واحِدٍ معه، إلَّا عائشةَ حين حاضَتْ فأعْمَرَها من التَّنْعِيمِ؛ لأنَّها اعْتَقَدَتْ أنَّ عُمْرَةَ قِرَانِها بَطَلَتْ، ولهذا قالتْ: يا رسولَ اللهِ، يَرْجِعُ النّاسُ بحَجٍّ وعُمْرَةٍ، وأَرْجِعُ أنا بِحَجَّةٍ. فأعْمَرَها لذلك. ولو كان فى هذا فَضْلٌ لَما اتَّفَقُوا على تَرْكِهِ.

فصل: ورَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عُمْرَةٌ فِى رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً". مُتَّفَقٌ عليه (٣٥). قال أحمدُ: مَن أَدْرَكَ يَوْمًا من رمضانَ، فقد


(٣٣) حمّم رأسُه: نبت شعره بعد ما حلق.
(٣٤) فى: باب فيما جاء فى العمرة، من كتاب الحج. ترتيب مسند الشافعى ١/ ٣٧٩.
(٣٥) أخرجه البخارى، فى: باب عمرة فى رمضان، وباب حج النساء، من كتاب الحج. صحيح البخارى=

<<  <  ج: ص:  >  >>