للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصَّحِيحُ، إن شاءَ اللهُ، أنَّها إذا ضَرَبَها الطَّلْقُ، كان مَخُوفًا؛ لأنَّه ألَمٌ شَدِيدٌ يُخَافُ منه التَّلَفُ، فأشْبَهَتْ صاحِبَ سائِرِ الأمْراضِ المَخُوفَةِ. وأمَّا قبلَ ذلك، فلا ألَمَ بها، واحْتمالُ وُجُودِه خِلَافُ العادَةِ، فلا يَثْبُتُ الحُكْمُ باحْتِمالِه البَعِيدِ مع عَدَمِه، كالصَّحِيحِ، فأمَّا بعدَ الوِلَادَةِ، فإن بَقِيَتِ المَشِيمَةُ معها، فهو مَخُوفٌ، وإن ماتَ الوَلَدُ معها، فهو مَخُوفٌ؛ لأنَّه يَصْعُبُ خُرُوجُه، وان وَضَعَتِ الوَلَدَ، وخَرَجَتِ المَشِيمَةُ، وحَصَلَ ثَمَّ وَرَمٌ أو ضَرَبانٌ شَدِيدٌ، فهو مَخُوفٌ، وإِن لم يكُنْ شيءٌ من ذلك، فقد رُوِىَ عن أحمدَ في النُّفَسَاءِ: إن كانت تَرَى الدَّمَ، فعَطِيَّتُها من الثُّلُثِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ بذلك إذا كان معه أَلَمٌ لِلُزُومِه لذلك في الغالِبِ. ويَحْتَمِلُ أن يُحْمَلَ على ظاهِرِه، فإنَّها إذا كانت تَرَى الدَّمَ، كانت كالمَرِيضِ، وحُكْمُها بعد السَّقْطِ كحُكمِها بعدَ وَضْعِ الوَلَدِ التّامِّ. وإن أسْقَطَتْ مُضْغَةً أو عَلَقَةً، فلا حُكْمَ له، إلَّا أن يكونَ ثَمَّ مَرَضٌ أو ألَمٌ. وهذا كلُّه مذهبُ الشافِعِيِّ، إلَّا أنَّ مُجَرَّدَ الدَّمِ عندَه ليس بمَخُوفٍ.

فصل: ويَحْصُلُ الخَوْفُ بغير ما ذَكَرْناه، في مَوَاضِعَ خَمْسَة، تَقُومُ مَقَامَ المَرَضِ؛ أحدُها، إذا الْتَحَمَ الحَرْبُ، واخْتَلَطَتِ الطائِفَتانِ لِلْقِتَالِ، وكانت كلُّ طائِفَةٍ مُكَافِئَةً للأُخْرَى أو مَقْهُورَةً. فأمَّا القاهِرَةُ منهما بعدَ ظُهُورِها، فليستْ خائِفةً. وكذلك إذا لم يَخْتَلِطُوا، بل كانت كلُّ واحِدَةٍ منهما مُتَمَيِّزةً، سواءٌ كان بينهما رَمْىٌ بالسِّهامِ أو لم يكُنْ فليست حالةَ خَوْفٍ. ولا فَرْقَ بين كَوْنِ الطائِفَتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ في الدِّينِ أو مُفْتَرِقَتَيْنِ. وبه قال مالِكٌ، والأوْزاعِيُّ، والثَّوْرِيُّ. ونحوه عن مَكْحُولٍ. وعن الشافِعِيِّ قَوْلانِ؛ أحدهما، كقَوْلِ الجَماعةِ. والثاني، ليس بمَخُوفٍ؛ لأنَّه ليس بمَرِيضٍ. ولَنا، أنَّ تَوَقُّعَ التَّلَفِ ههُنا كتَوَقُّعِ المَرَضِ (٢) أو أكْثَر، فوَجَبَ أن يُلْحَقَ به، ولأنَّ المَرَضَ إنَّما جُعِلَ مَخُوفًا لِخَوْفِ صاحِبِه التَّلَفَ، وهذا كذلك. قال أحمدُ:


(٢) في الأصل، أ: "المريض".

<<  <  ج: ص:  >  >>