للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا حَضَرَ القِتَالَ، كان عِتْقُه من الثُّلُثِ. وعنه: إذا الْتَحَمَ الحَرْبُ, فوَصِيَّتُه من المالِ كلِّه. فيَحْتَمِلُ أن يجْعَلَ هذا رِوَايةً ثانِيةً، وتُسَمَّى العَطِيّةُ وَصِيَّةً تَجَوُّزًا؛ لِكَوْنِها في حُكْمِ الوَصِيَّةِ، ولكَوْنِها عندَ المَوْتِ. ويَحْتَمِلُ أن يُحْمَلَ على حَقِيقَتِه في صِحَّةِ الوَصِيَّةِ من المالِ كلِّه. لكنْ يَقِفُ الزَّائِدُ على الثُّلُثِ على إجَازَةِ الوَرَثةِ، فإنَّ حُكْمَ وَصِيَّةِ الصَّحِيحِ وخائِفِ التَّلَفِ واحِدٌ. الثانية، إذا قُدِّمَ لِيُقْتَلَ، فهى حالَةُ خَوْفٍ، سواءٌ أُرِيدَ قَتْلُه لِلْقِصَاصِ، أو لغيرِه. ولِلشّافِعِيِّ فيه قَوْلَانِ؛ أحدهما، أنَّه مَخُوفٌ. والثانى، إن جُرِحَ فهو مَخُوفٌ، وإلَّا فلا؛ لأنَّه صَحِيحُ البَدَنِ، والظاهِرُ العَفْوُ عنه. ولَنا، أنَّ التَّهْدِيدَ بالقَتْلِ جُعِلَ إكْرَاهًا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وصِحّةَ البَيْعِ، ويُبِيحُ كَثِيرًا من المُحَرَّماتِ، ولولا الخَوْفُ لم تَثْبُتْ هذه الأحْكَامُ، وإذا حُكِمَ لِلْمَرِيضِ وحاضِرِ الحَرْبِ بالخَوْفِ مع ظُهُورِ السَّلَامةِ، وبعدَ وُجُودِ التَّلَفِ، فمع ظُهُورِ التَّلَفِ وقُرْبِه أَوْلَى، ولا عِبْرَةَ بصِحَّةِ البَدَنِ فإنَّ المَرَضَ لم يكُنْ مُثْبِتًا لهذا الحُكْمِ لِعَيْنِه، بل لِخَوْفِ إفْضائِه إلى التَّلَفِ، فيثْبُتُ (٣) الحُكْمُ ههُنا بِطرِيقِ التَّنْبِيهِ، لِظُهُورِ التَّلَفِ. الثالثة، إذا رَكِبَ البَحْرَ، فإن كان ساكِنًا فليس بمَخُوفٍ، وإن تَمَوَّجَ واضْطَرَبَ وهَبَّتِ الرِّيحُ العاصِفُ، فهو مَخُوفٌ، فإنَّ اللَّه تعالى وَصَفَهُمْ بشِدَّةِ الخَوْفِ، بقَوْلِه سُبْحَانه: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (٤). الرابعة، الأسِيرُ والمَحْبُوسُ، إذا كان من عادَتِه القَتْلُ، فهو خائِفٌ، عَطِيَّتُه من الثُّلُثِ، وإلَّا فلا. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، ومالِكٍ، وابنِ أبِى لَيْلَى، وأحَدُ قَوْلَىِ الشافِعِىِّ. وقال الحَسَنُ لمَّا حَبَسَ الحَجَّاجُ إيَاسَ بن مُعَاوِيَةَ: ليس له من مالِه إلَّا


(٣) في أ، م: "فثبت".
(٤) سورة يونس ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>