للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨٣٨ - مسألة؛ قال: (وَلَا يَجُوزُ أنْ يُقالَ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ: ضَارِبْ بِالدَّيْنِ الَّذِى عَلَيْكَ)

نَصَّ أحمدُ على هذا، وهو قولُ أكْثَر أهْلِ العِلْمِ، ولا نَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ من نَحْفَظُ عنه من أهل العِلْمِ، أنَّه لا يجوزُ أن يَجْعَلَ الرَّجُلُ دَيْنًا له على رَجُلٍ مُضَارَبةً، وممَّن حَفِظْنا ذلك عنه: عَطَاءٌ، والحَكَمُ، وحَمَّادٌ، ومالِكٌ، والثَّوْرِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وبه قال الشّافِعِىُّ. وقال بعضُ أصْحابِنَا: يَحْتَمِلُ أن تَصِحَّ المُضَارَبةُ؛ لأنَّه إذا اشْتَرَى شيئا لِلْمُضَارَبةِ، فقد اشْتَراهُ بإِذْنِ رَبِّ المالِ، ودَفَعَ الدَّيْنَ إلى من أَذِنَ له في دَفْعِه إليه، فتَبْرَأُ ذِمَّتُه منه، ويَصِيرُ كما لو دَفَعَ إليه عَرْضًا، وقال: بِعْهُ، وضَارِبْ بِثَمَنِه. وجَعَلَ أصْحابُ الشَّافِعِىِّ مَكَانَ هذا الاحْتِمالِ أنَّ الشِّراءَ (١) لِرَبِّ المالِ، ولِلْمُضَارِبِ أجْرُ مِثْلِه؛ لأنَّه عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ، ولا يَصِحُّ عندَهم تَعْلِيقُ القِرَاضِ بِشَرْطٍ. والمذهبُ هو الأَوَّلُ؛ لأنَّ المالَ الذي في يَدَىْ مَن عليه الدَّيْنُ له، وإنَّما يَصِيرُ لِغَرِيمِه بِقَبْضِه، ولم يُوجَدْ القَبْضُ ههُنا. وإن قال له: اعْزِل المالَ الذي لِى عليك، وقد قارَضْتُكَ عليه. ففَعَلَ، واشْتَرَى بعَيْنِ ذلك (٢) المالِ (٣) شيئا لِلْمُضَارَبةِ، وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِى؛ لأنَّه اشْتَرَى (٤) لغيرِه بمالِ نَفْسِه، فحَصَلَ الشِّرَاءُ له وإن اشْتَرَى في ذِمَّتِه فكَذَلِكَ؛ لأنَّه عَقَدَ القِرَاضَ على ما لا يَمْلِكُه، وعَلَّقَهُ على شَرْطٍ لا يَمْلِكُ به المالَ.

فصل: وإن قال لِرَجُلٍ: اقْبِض المالَ الذي على فُلَانٍ، واعْمَلْ به مُضَارَبةً. فقَبَضَهُ، وعَمِلَ به، جازَ في قَوْلِهم جَمِيعًا. ويكون وَكِيلًا في قَبْضِه، مُؤْتَمَنًا عليه؛ لأنَّه قَبَضَهُ بإِذْنِ مَالِكِه من غيرِه، فجازَ أن يَجْعَلَهُ مُضَارَبةً، كما لو قال: اقْبِض المالَ من


(١) في الأصل: "المشترى".
(٢) سقط من: ب.
(٣) سقط من: الأصل.
(٤) في أ: "اشتراه"، وفى ب، م: "يشترى".

<<  <  ج: ص:  >  >>