للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقِيقَةً، لم يَتَناوَلْهُم عُرْفًا، والأسْماءُ العُرْفِيَّةُ تُقَدَّمُ على الحَقِيقَةِ. ولا يَسْتَحِقُّ مَوْلَى ابْنِه مع وُجُودِ مَوَالِيه. وقَال زُفَر: يَسْتَحِقُّ. ولا يَصِحُّ؛ لأنَّ مَوْلَى ابْنِه ليس بمَوْلًى له حَقِيقَةً، إذا كان له مَوْلًى سِوَاهُ، فإن لم يَكُنْ له مَوْلًى، فقال الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ: يكونُ لمَوْلَى (١٤) أَبِيه. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: لا شىءَ له؛ لأنَّه ليس بمَوْلًى له (١٥). واحْتَجَّ الشَّرِيفُ بأنَّ الاسْمَ يَتَناوَلُ مَوَالِىَ أبِيه مَجازًا، فإذا تَعَذَّرَتِ الحَقِيقَةُ، وَجَبَ صَرفُ الاسْمِ إلى مَجازِه، والعَمَلُ به، تَصْحِيحًا لِكَلَامِ المُكَلَّفِ عندَ إمْكانِ تَصْحِيحِه، ولأنَّ الظاهِرَ إرَادَتُه المَجازَ، لكَوْنِه مَحْمَلًا صَحِيحًا، وإرَادَةُ الصَّحِيحِ أغْلَبُ من إرَادَةِ الفاسِدِ. فإن كان له مَوَالٍ ومَوَالِى أبٍ حينَ الوَصِيَّةِ، ثم انْقَرَضَ مَوَالِيه قبلَ المَوْتِ، لم يكُنْ لِموَالِى الأَبِ شيءٌ على مُقْتَضَى ما ذَكَرْناه، لأنَّ الوَصِيّةَ كانت لغيرِهِم، فلا تَعُودُ إليهم إلَّا بِعَقْدٍ، ولم يُوجَدْ. ولا يُشْبِه هذا قولَه: أَوْصَيْتُ لأَقْرَبِ الناسِ إلىَّ. وله ابْنٌ وابْنُ ابْنٍ، فماتَ الابْنُ، حيثُ يَسْتَحِقُّ ابْنُ الابْنِ، وإن كان لا يَسْتَحِقُّ مع حَياةِ الابْنِ شَيْئًا؛ لأنَّ الوَصِيَّةَ ههُنا لِمَوْصُوفٍ بصِفَةٍ وُجِدَتْ في ابْنِ الابْنِ، كوُجُودِها في الابْنِ حَقِيقةً، وفى المَوْلَى يَقَعُ الاسمُ على مَوْلَى نَفْسِه حَقِيقَةً، وعلى مَوْلَى أبِيه مَجَازًا، فمع وُجُودِهِم جَمِيعًا، لا يُحْمَلُ اللَّفْظُ إلَّا على الحَقِيقَةِ، وهذه الصِّفَةُ لا (١٦) تُوجَدُ في مَوْلَى أبِيه. قال الشَّرِيفُ: ويَدْخُلُ في الوَصِيَّةِ لِلْمَوَالِى مُدَبَّرُه، وأُمُّ وَلَدِه؛ لأنَّ الوَصِيَّةَ إنَّما تُسْتَحَقُّ بعدَ المَوْتِ، وهم حِينَئِذٍ مَوَالٍ في الحقِيقَةِ.

فصل: وإن وَصَّى لِجِيرَانِه، فهم أهْلُ أرْبَعِينَ دارًا من كلِّ جانِبٍ. نَصَّ عليه أحمدُ. وبه قال الأوْزَاعِىُّ، والشافِعِىُّ. وقال أبو حنيفَةَ: الجارُ المُلَاصِقُ؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الجارُ أحَقُّ بِصَقَبِهِ" (١٧). يَعْنِى الشُّفْعةَ، وإنَّما تَثْبُتُ لِلْمُلَاصِقِ، ولأنَّ


(١٤) في م: "لموالى".
(١٥) سقط من: أ.
(١٦) سقط من: م.
(١٧) تقدم تخريجه في: ٧/ ٤٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>