للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْلًى، فإنَّه يَعْقِلُ، في ظاهرِ كلامِ أحمدَ. قالَه القاضي. وقال أصحابُ الشافعيِّ: لا يَعْقِلُ؛ لأنَّه والِدٌ أو ولَدٌ، فلم يَعْقِلْ، كما لو لم يَكُنْ كذلك. ولَنا، أنَّه ابنُ ابنِ عَمٍّ، أو مَوْلًى، فيَعْقِلُ، كما لو لم يَكُنْ ولَدًا؛ وذلك لأنَّ هذه القَرابةَ أو الوَلاءَ سَبَبٌ يَسْتَقِلُّ بالحُكْمِ مُنْفَرِدًا، فإذا وُجِدَ مع ما لا يَثْبُتُ به الحُكْمُ أثْبَتَه، كما لو وُجِدَ مع الرَّحِمِ المُجَرَّدِ، ولأنَّه يَثْبُتُ حُكْمُه مع القَرَابةِ الأُخْرَى، بدليلِ أنَّه يَلِى نِكاحَها، مع أنَّ الابنَ لا يَلِى النِّكاحَ عندَهم.

فصل: وسائرُ العَصَباتِ من العاقلةِ بَعُدُوا أو قَرُبُوا من النَّسَبِ، والمَوْلَى وعَصَبَتُه، ومَوْلَى المَوْلَى وعَصَبَتُه، وغيرُهم. وبهذا قال عمرُ بن عبد العزيزِ، والنَّخَعِىُّ، وحَمَّادٌ، ومالكٌ، والشافعيُّ. ولا أعلمُ عن غيرِهم خِلافَهم؛ وذلك لأنَّهم عَصَبةٌ يَرِثُونَ المالَ إذا لم يَكُنْ وارِثٌ أقْرَبَ منهم، فيَدْخُلُونَ في العَقْلِ، كالقَرِيبِ، ولا يُعْتَبرُ أن يكونُوا وارِثِينَ في الحالِ، بل متى كانوا يَرِثُونَ لولا الحَجْبُ عَقَلُوا (١٥)؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى بالدِّيَةِ بين عَصَبةِ المرأةِ مَن كانوا، لا يَرِثُونَ منها إلَّا ما فَضَلَ عن وَرَثَتِها؛ ولأنَّ المَوالِى من العَصَباتِ، فأشْبَهُوا المُناسبينَ.

فصل: ولا يَدْخُلُ في العَقْلِ مَنْ ليس بعَصَبةٍ، ولا يَعْقِلُ المَوْلَى من أسْفَلَ. وبه قال أبو حنيفةَ، وأصْحابُ مالكٍ. وقال الشافعيُّ، في أحَدِ قَوْلَيْه: يَعْقِلُ؛ لأنَّهما شَخْصانِ يَعْقِلُ أحَدُهما صاحِبَه، فيَعْقِلُ الآخَرُ عنه، كالأخَوَيْنِ. ولنا، أنَّه ليس بعَصَبةٍ له ولا وارِثٍ، فلم يَعْقِلْ عنه، كالأجْنَبِيِّ. وما ذكَرُوه يَبْطُلُ بالذَّكَرِ مع الأُنْثَى، والكَبِيرِ مع الصغيرِ، والعاقِلِ مع المَجْنُونِ.

فصل: ولا يَعْقِلُ مَوْلَى المُوالاة، وهو الذي يُوالِى رَجُلًا يَجْعَلُ له وَلاءَه ونُصْرَتَه، ولا الحَلِيفُ، وهو الرجلُ يُحالِفُ آخَرَ (١٦) على أن يتَناصَرَا على دَفْعِ الظُّلْمِ، ويتَضَافَرَا على


(١٥) في الأصل: "لعقلوا".
(١٦) في م: "الآخر".

<<  <  ج: ص:  >  >>