للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرْكِه، لم يَجُزْ له تَقْبِيضُهُ. وإن كان المَجْنُونُ المُرْتَهِنَ، قَبَضَهُ وَلِيُّهُ إن اخْتَارَ الرَّاهِنُ، وإن امْتَنَعَ لم يُجْبَرْ. وإذا مَاتَ، قامَ وَارِثُه مَقَامَهُ فى القَبْضِ. فإن مَاتَ الرَّاهِنُ، لم يَلْزَمْ وَرَثَتَه تَقبِيضُه؛ لأنَّهم يَقُومُونَ مَقامَ الرَّاهِنِ، ولم يَلْزَمْهُ ذلك. فإن لم يكُنْ على المَيِّتِ دَيْنٌ سِوَى هذا الدَّيْنِ، فأَحَبَّ الوَرَثَةُ تَقْبيضَ الرَّهْنِ، جازَ. وإن كان عليه دَيْنٌ سِوَاه، فظَاهِرُ المَذْهَبِ أنَّه ليس لِلْوَارِثِ تَخْصِيصُ المُرْتَهِنِ بالرَّهْنِ. نَصَّ عليه أحمدُ، فى رِوَايَةِ علىِّ بن سَعِيدٍ. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ. وذَكَرَ القاضى فيه رِوَايَةً أُخْرَى، أنَّ لهم ذلك، أخْذًا ممَّا نَقَلَ ابنُ مَنْصُورٍ وأبو طَالِبٍ عن أحمدَ، أنَّه قال: إذا مَاتَ الرَّاهِنُ أو أفْلَسَ، فالمُرْتَهِنُ أحَقُّ به من الغُرَمَاءِ. ولم يعْتَبِرْ وُجُودَ القَبْضِ بعدَ المَوْتِ أو قبلَه. وهذا لا يُعَارِضُ ما نَقَلَهُ علىُّ بن سَعِيدٍ؛ لأنَّه خَاصٌّ وهذا عَامٌّ، والاسْتِدْلَالُ به على هذه الصُّورَةِ يَضْعُفُ جِدًّا لِنُدْرَتِها، فكيف يُعَارَضُ به الخاصُّ! لكن يجوزُ أن يكونَ هذا الحُكْمُ مَبْنِيًّا على الرِّوَايَةِ التى لا يُعْتَبَرُ فيها القَبْضُ فى غير المَكِيلِ والمَوْزُونِ، فيكونُ الرَّهْنُ قد لَزِمَ قبلَ القَبْضِ، ووَجَبَ تَقْبِيضُه على الرَّاهِنِ، فكذلك على وَارِثِه. ويَخْتَصُّ هذا (٣) بما عدا المَكِيلِ والمَوْزُونِ، وأمَّا ما لم يَلْزَمِ الرَّهْنُ فيه، فليس لِلْوَرَثَةِ تَقْبِيضُه؛ لأنَّ الغُرَمَاءَ تَعَلَّقَتْ دُيُونُهُم بالتَّرِكَةِ قبلَ لُزُومِ حَقِّه فى الرَّهْنِ، فلم يَجُزْ تَخْصِيصُه به بغير رِضَاهُم، كما لو أفْلَسَ الرَّاهِنُ، إلّا إذا قُلْنا: إن لِلْوَرَثَةِ التَّصَرُّفَ فى التَّركَةِ، ووفاءَ الدَّيْنِ من أَمْوالِهم. فإن قِيل: فما الفَائِدَةُ فى القولِ بِصِحَّةِ الرَّهْنِ إذا لم يَخْتَصَّ به المُرْتَهِنُ؟ قُلْنا: فَائِدَتُه أنَّه يَحْتَمِلُ أن يَرْضَى الغُرَمَاءُ بِتَسْلِيمِه إليه، فيَتِمَّ الرَّهْنُ. ولا فَرْقَ فى جَمِيعِ ما ذَكَرْنَاهُ بينَ ما قبلَ الإِذْنِ فى القَبْضِ وما بعدَه؛ لكَوْنِ الإِذْنِ يَبْطُلُ بالجُنُونِ والمَوْتِ والإِغْمَاءِ والحَجْرِ.

فصل: ولو حُجِرَ على الرَّاهِنِ لِفَلَسٍ قبلَ التَّسْلِيمِ لم يكُنْ له تَسْلِيمُه؛ لأنَّ فيه


(٣) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>