للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصْحَابِنَا: ما كان مَكِيلًا أو مَوْزُونًا، لا يَلْزَمُ رَهْنُه إلَّا بالقَبْضِ، وفيما عداهما رِوَايَتانِ؛ إحْدَاهما، لا يَلْزَمُ إلَّا بالقَبْضِ. والأُخْرَى، يَلْزَمُ بمُجَرَّدِ العَقْدِ، كالبَيْعِ. وقد نَصَّ أحمدُ على هذا، فى رِوَايَةِ المَيْمُونِىّ. وحَمَلَ القاضى كلامَ الخِرَقِىِّ على المَكِيلِ والمَوْزُونِ خاصَّةً. وليس بِصحِيحٍ؛ فإنَّ كَلامَ الخِرَقِىِّ مع عُمُومِه، قد أَتْبَعَهُ بما يَدُلُّ على إِرَادَةِ التَّعْمِيمِ، وهو قولُه: فإن كان مما يُنْقَلُ، فقَبْضُه أخْذُه إيَّاهُ من رَاهِنِه مَنْقُولًا، وإنْ كان ممَّا لا يُنْقَلُ، كالدُّورِ والأَرَضِينَ، فقَبْضُه بِتَخْلِيَةِ رَاهِنِه بَيْنَه وبَيْنه (١). [وقد قال] (٢) أحمدُ فى الدَّارِ والجَارِيَةِ إذا رَدَّهَا إلى الرَّاهِنِ: لم يكُنْ رَهْنًا فى الحال. وهذا كقَوْلِ الخِرَقِىِّ. وقال مالِكٌ: يَلْتَزِمُ الرَّهْنَ بمُجَرَّدِ العَقْدِ قبلَ القَبْضِ؛ لأنَّه عَقْدٌ يَلْزَمُ بالقَبْضِ، فلَزِمَ قبلَه، كالبَيْعِ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}. وَصَفَها بِكَوْنِها مَقْبُوضَةً، ولأنَّه عَقْدُ إرْفَاقٍ يَفْتَقِرُ إلى القَبُولِ، فافْتَقَرَ إلى القَبْضِ، كالقَرْضِ، ولأنَّه رَهْنٌ لم يُقْبَضْ، فلا يَلْزَمُ إقْبَاضُهُ، كما لو ماتَ الرَّاهِنُ، ولا يُشْبِهُ البَيْعَ، فإنَّه مُعاوَضَةٌ، وليس بإِرْفاقٍ. وقولُ الخِرَقِىِّ: "مِن جَائِزِ الأَمْرِ". يعنى أنَّ الرَّاهِنَ الذى يَرْهَنُ ويقْبِضُ، يكونُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ فى مَالِه، وهو الحُرُّ المُكَلَّفُ الرَّشِيدُ، ولا يكون مَحْجُورًا عليه، لِصِغَرٍ أو جُنُونٍ أو سَفَهٍ أو فَلَسٍ، ويُعْتَبرُ ذلك فى حالِ رَهْنِه وإِقْبَاضِه؛ لأنَّ العَقْدَ والتَّسْلِيمَ ليس بوَاجِبٍ، وإنَّما هو إلى اخْتِيَارِ الرَّاهِنِ، فإذا لم يكُنْ له اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ، لم يَصِحَّ، ولأنَّه نَوْعُ تَصَرُّفٍ فى المالِ، فلم يَصِحَّ من المَحْجُورِ عليه من غيرِ إذْنٍ، كالبَيْعِ. فإنْ جُنَّ أحَدُ المُتَرَاهِنَيْنِ قبلَ القَبْضِ، أو مَاتَ، لم يَبْطُلِ الرَّهْنُ؛ لأنَّه عَقْدٌ يَؤُولُ إلى اللُّزُومِ، فلم يَبْطُلْ بِجُنُونِ أحَدِ المُتَعَاقِدَيْنِ أو مَوْتِه، كالبَيْعِ الذى فيه الخِيَارُ، ويَقُومُ وَلِىُّ المَجْنُونِ مَقامَهُ، فإن كان المَجْنُونُ الرَّاهِنَ، وكان الحَظُّ فى التَّقْبِيضِ، مثل أن يكونَ شَرْطًا فى بَيْعٍ يَسْتَضِرُّ بِفَسْخِه ونحوَه، أَقْبَضَهُ. وإن كان الحَظُّ فى


(١) فى أ: "وبين مرهنه".
(٢) فى م: "وقال".

<<  <  ج: ص:  >  >>