للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماتتْ قبلَ وُجودِ ما يُزِيلُه، فيكونُ موجودًا حالَ الموتِ، فيوُجِبُ التَّوارُثَ، ويَنْقَطِعُ بالمَوْتِ، فلا يُمْكِنُ انْقِطاعُه مَرَّةً أخرى. وإن أراد الزَّوجُ اللِّعانَ، ولم تكُنْ طالبَتْ بالحَدِّ فى حياتِها، لم يكُنْ له أَن يَلْتَعِنَ، سَواءٌ كان ثَمَّ ولدٌ يُرِيدُ نَفْيَه أو لم يكُنْ. وقال الشافعىُّ: إن كان ثَمَّ ولدٌ يُرِيدُ نَفْيَه، فله أَن يَلْتَعِنَ. وهذا يَنْبَنِى على أصْلٍ، وهو أَنَّ اللِّعانَ إنَّما يكونُ بين الزَّوْجينِ، فإنَّ لِعَانَ الرَّجُلِ وحدَه لا يَثْبُتُ به حُكْمٌ، وعندَهم بخِلافِ ذلك. فأمَّا إن كانتْ طالَبَتْ بالحَدِّ فى حياتِها، فإنَّ أوْلِياءَها يقُومون فى الطَّلَبِ به مَقامَها، فإن طُولِبَ به، فله إسْقاطُه باللِّعانِ. ذكَره القاضى، وإلَّا فلا؛ لأنَّه (١٤) لا حاجةَ إليه مع عَدَم الطَّلَبِ، فإنَّه لا حَدَّ عليه. وقال أصحابُ الشافعىِّ: إن كان للمرأةِ وارِثٌ غيرَ الزَّوجِ، فله اللِّعانُ، لِيُسْقِطَ الحَدِّ عن نَفْسِه، وإلَّا فلا؛ لعَدَمِ الحاجةِ إليه.

فصل: وإذا مات المَقْذُوفُ قبلَ المُطالبةِ بالحَدِّ، سَقَطَ، ولم يكُنْ لوَرَثَتِه الطلبُ به. وقال أصحابُ الشافعىِّ يُورَثُ، وإن لم يكنْ طالَبَ به؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ تَرَكَ حَقًّا فلِوَرَثَتِه" (١٥). ولأنَّه حَقٌّ ثَبَتَ (١٦) له فى الحياةِ، يُورَثُ إذا طالَبَ به، فيُورَثُ وإن لم يُطَالِبْ به، كحَقِّ القِصَاصِ. ولَنا، أنَّه حَدُّ تُعْتَبرُ فيه المُطالبةُ، فإذا لم يُوجَدِ الطَّلَبُ من المالِكِ، لم يَجِبْ، كحدِّ القَطْع فى السَّرقةِ، والحديثُ يَدُلُّ على أَن الحَقَّ المَتْرُوكَ يُورَثُ، وهذا ليس بمَتْرُوكِ، وأمَّا حَقُّ القِصَاص، فإنَّه حقٌّ يجوزُ الاعْتِياضُ عنه، ويَنْتَقِلُ إلى المالِ، بخِلافِ ما نحن فيه، فأمَّا إن طالَبَ به ثم مات، فإنَّه تَرِثُه العَصَباتُ من النَّسَبِ دُونَ غيرِهم؛ لأنَّه حقُّ يَثْبُتُ لِدَفْعِ العارِ، فاخْتَصَّ به العَصَباتُ، كوِلَايةِ النكاحِ. وهذا أحدُ الوُجُوهِ لأصحابِ الشافعىِّ. ومتى ثَبَتَ للعَصبَاتِ، فلهم اسْتِيفاؤُه. وإن طَلَبَ أحَدُهم وحدَه، فله اسْتِيفاؤُه. وإن عَفَى بَعْضُهم، لم يَسْقُطْ، وكان للباقِينَ استيفاؤُه. ولو بَقِىَ واحدٌ، كان له استيفاءُ جَمِيعِه؛ لأنَّه حقٌّ يُرَادُ للرَّدْعِ


(١٤) فى الأصل: "فإنه".
(١٥) تقدم تخريجه، فى: ٨/ ١٥٢.
(١٦) فى الأصل، أ: "ثبت".

<<  <  ج: ص:  >  >>