للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كانا جاهِلَيْنِ، ففيه وَجْهان؛ أحدهما، الضمانُ على الإِمامِ، كما (٤٧) لو كانا عالِمَيْنِ. والثانى، على الوَلِىِّ. وهذا مذهبُ الشافعىِّ. وقال أبو الخَطَّابِ: الضَّمانُ على الحاكمِ، ولم يُفَرِّقْ. وقال المُزَنِىُّ: الضَّمانُ على الوَلِىِّ في كلِّ حالٍ؛ لأنَّه المُباشِرُ، والسَّبَبُ غيرُ مُلْجِىءٍ، فكان الضَّمانُ عليه، كالحافرِ مع الدَّافعِ، وكما لو أمَرَ من يَعْلَمُ تَحْريمَ القَتْلِ به فقَتَلَ. وقد ذكرْنا ما يَقْتَضِى التَّفْرِيقَ. واللهُ أعلمُ.

١٤٥٢ - مسألة؛ قال: (وَإذَا كَانَ الْقَاطِعُ سَالِمَ الطَّرَفِ، والمَقْطُوعَةُ شَلَّاءَ، فَلَا قَوَدَ)

لا نعلمُ أحدًا من أهلِ العلمِ قال بوُجُوبِ قَطْعِ يَدٍ أو رِجْلٍ أو لِسانٍ صحيحٍ بأشَلَّ، إلَّا ما حُكِىَ عن داودَ، أنَّه أوْجَبَ ذلك؛ لأنَّ كل واحد منهما مُسَمًّى باسْمِ صاحِبِه، فيُؤْخَذُ به، كالأُذُنَيْنِ. ولَنا، أنَّ الشَّلَّاءَ لا نَفْعَ فيها سِوَى الجمالِ، فلا يُؤْخَذُ بها ما فيه نَفْعُه (١)، كالصَّحِيحةِ (٢) لا تؤْخَذُ بالقائمةِ (٣)، وما ذُكِرَ له قِياسٌ، وهو لا يقولُ بالقياسِ، وإذا لم يُوجِبِ القِصاصَ في العَيْنَيْنِ مع قولِ اللَّه تعالى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} (٤). لأجْلِ تَفَاوُتِهِما في الصِّحَّةِ والعَمَى، فلأَنْ لا يُوجبَ (٥) ذلك فيما لا نَصَّ فيه أَوْلَى.

فصل: وإن قَطَعَ أُذُنًا شَلَّاءَ، أو أنْفًا أشَلَّ، فهل يُؤْخَذُ به الصَّحِيحُ؟ فيه وَجْهان؛ أحدهما، لا يُؤْخَذُ به، كسائرِ الأعْضاءِ. والثانى، يُؤْخَذُ به؛ لأنَّ نَفْعَه لا يَذْهَبُ بشَلَلِه، فإنَّ نَفْعَ الأُذُنِ جَمْعُ الصَّوْتِ، ورَدُّ الهَوَامِّ، وسَتْرُ مَوْضِعِ السَّمْعِ، ونَفْعَ الأَنْفِ جَمْعُ الرِّيحِ، ورَدُّ الهَواءِ والهَوَامِّ (٦)، فقد ساوَى الصَّحِيحَ في الجمالِ والنَّفْعِ،


(٤٧) في ب: "وكما".
(١) في م: "نفع".
(٢) أي: العين الصحيحة، كما جاء في الشرح الكبير.
(٣) العين القائمة هي التي ذهب بصرها والحدقة صحيحة.
(٤) سورة المائدة ٤٥.
(٥) في م: "يجب".
(٦) في ب، م: "أو الهوام".

<<  <  ج: ص:  >  >>