للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخُصُومَةِ فيه، لِعِلْمِه بوُقُوفِ القَبْضِ عليه. وإن لم يَعْلَمْ ذلك، لم يكُنْ تَوْكِيلًا فيه؛ لِعَدَمِ عِلْمِه بِتَوَقُّفِ القَبْضِ عليه. ولا فَرْقَ بين كَوْنِ الحَقِّ عَيْنًا أو دَيْنًا. وقال بعضُ أصْحابِ أبى حنيفةَ: إن وَكَّلَهُ في قَبْضِ عَيْنٍ لم يَمْلِكْ تَثْبِيتَها؛ لأنَّه وَكِيلٌ في نَقْلِها، أشْبَهَ الوَكِيلَ في نَقْلِ الزَّوْجةِ. ولَنا، أنَّه وَكِيلٌ في قَبْضِ حَقٍّ، فأَشْبَه الوَكِيلَ في قَبْضِ الدَّيْنِ. وما ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بالتَّوْكِيلِ في قَبْضِ الدَّيْنِ؛ فإنَّه وَكِيلٌ في قَبْضِه ونَقْلِه إليه.

فصل: وإن وَكَّلَهُ في بَيْعِ شَىءٍ، مَلَكَ تَسْلِيمَهُ؛ لأنَّ إطْلاقَ التَّوْكِيلِ في البَيْعِ يَقْتَضِى التَّسْلِيمَ، لكَوْنِه من تَمَامِه، ولم يَمْلِك الإِبْرَاءَ من ثَمَنِه. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَمْلِكُه. ولَنا، أنَّ الإِبْراءَ ليس من البَيْعِ، ولا من تَتِمَّتِه، فلا يكون التَّوْكِيلُ في البَيْعِ تَوْكِيلًا فيه، كالإِبْراءِ من غير ثَمَنِه. وأما قَبْضُ الثَّمَنِ، فقال القاضي وأبو الخَطَّابِ: لا يَمْلِكُه (١٨). وهو أحدُ الوَجْهَيْنِ لأَصْحابِ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّه قد يُوَكِّلُ في البَيْعِ مَن لا يَأْمَنُه على قَبْضِ الثمَنِ. فعلى هذا إن تَعَذَّرَ قَبْضُ الثَّمَنِ من المُشْتَرِى، لم يَلْزَمِ الوَكيلَ شيءٌ. ويَحْتَمِلُ أن يَمْلِكَ قَبْضَ الثَّمَنِ؛ لأنَّه من مُوجِبِ البَيْعِ، فمَلَكَهُ الوَكِيلُ فيه، كتَسْلِيمِ المَبِيعِ. فعلى هذا ليس له تَسْلِيمُ المَبِيعِ إلَّا بِقَبْضِ الثَّمَنِ أو حُضُورِه. وإن سَلَّمَهُ قبل قَبْض ثَمَنِه ضَمِنَهُ. والأَوْلَى أن يَنْظُرَ فيه، فإن دَلَّتْ قَرِينَةُ الحالِ على قَبْضِ الثَّمَنِ، مثل تَوْكِيلِه في بَيْعِ ثَوْبٍ في سُوقٍ غائِبٍ عن المُوَكِّلِ، أو مَوْضِعٍ يَضِيعُ الثمَنُ بِتَرْكِ قَبْضِ الوَكِيلِ له، كان إِذْنًا في قَبْضِه. ومتى تَرَكَ قَبْضَهُ كان ضَامِنًا له؛ لأنَّ ظاهِرَ حالِ المُوَكِّلِ أنَّه إنَّما أمَرَهُ بالبَيْعِ لِتَحْصِيلِ ثَمَنِه، فلا يَرْضَى بِتَضْيِيعِه، ولهذا يُعَدُّ من فَعَلَ ذلك مُضَيِّعًا مُفَرِّطًا. وإن لم تَدُلَّ القَرِينَةُ على ذلك، لم يكُنْ له قَبْضُهُ.

فصل: وإن وَكَّلَهُ في بَيْعِ شيءٍ، أو طَلَبِ الشُّفْعَةِ، أو قَسْمِ شيءٍ، ففيه وَجْهانِ؛ أحَدُهما، يَمْلِكُ تَثْبِيتَه. وهو قولُ أبى حنيفةَ في القِسْمَةِ وطَلَبِ الشُّفْعَةِ؛ لأنَّه لا يَتَوَصَّلُ إلى ما وَكَّلَهُ فيه إلَّا بِالتَّثْبِيتِ. والثانى، لا يَمْلِكُه. وهو قولُ بعضِ أصْحابِ الشّافِعِىِّ؛


(١٨) في م: "يمكن".

<<  <  ج: ص:  >  >>