للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد أساءَ، وعليه كفَّارةٌ أيضًا، لتَرْكِه صِفَةَ النَّذْرِ. وقياسُ المذهبِ أَنْ يَلْزَمَه اسْتِئْنافُ الحجِّ ماشيًا، لتَرْكِه صفةَ المنْذُورِ، كما لو نَذَرَ صومًا مُتتابِعًا فأتَى به مُتَفرِّقًا. وإن عجَز عن المشْى بعدَ الحجِّ، كفَّر، وأجْزَأَه. وإن مشَى بعضَ الطَّريقِ، وركِب بعضًا، فعلى هذا القياسِ، يَحْتَمِلُ أن يكونَ كقولِ ابنِ عمرَ، وهو أن يَحُجَّ فيَمْشِىَ ما ركِبَ، ويَرْكبَ ما مَشَى. ويَحْتَمِلُ أن لا يُجْزِئَه إِلَّا حجٌّ يَمْشِى فى (١٣) جميعِه؛ لأنَّ ظاهرَ النَّذْرِ يقْتَضِى هذا. ووَجْهُ القولِ الأوَّلِ، أَنَّه لا يَلْزَمُه بتَرْكِ المشْى المَقْدورِ عليه أكثرُ من كفَّارةٍ؛ لأنَّ المشْىَ [غيرُ مقصودٍ] (١٤) فى الحجِّ، ولا وردَ الشَّرْعُ باعْتبارِه فى مَوْضع، فلم يَلْزَمْ بتَرْكِه أكثرُ من كفَّارةٍ، كما لو نذَرَ التَحَفِّىَ وشِبْهَه، وفارَقَ التَّتابُع فى الصيامِ؛ فإنَّها صِفَةٌ مَقْصودةٌ فيه، اعْتبرَها الشَّرْعُ فى صيامِ الكفَّاراتِ، كفارةِ الظِّهارِ والجِماعِ واليَمِينِ.

فصل: فإنْ نَذَرَ الحجَّ راكبًا، لَزِمَه الحجُّ كذلك؛ لأنَّ فيه إنْفاقًا فى الحجِّ، فإنْ تركَ الرُّكوبَ، فعليه كفَّارة. وقال أصحابُ الشافعىِّ: يَلْزَمُه دَمٌ؛ لترفُّهِه بتَرْكِ الإِنْفاقِ. وقد تَبَيَّنَّا أَنَّ الواجبَ بتَرْكِ النَّذْرِ الكفَّارةُ دونَ الهَدْى، إلا أَنَّ هذا إذا مشَى ولم يركبْ مع إمْكانهِ، لم يَلْزَمْه أكثُر من كفَّارةٍ؛ لأنَّ الرُّكُوبَ فى نفسِه ليس بطاعةٍ ولا قُرْبَةٍ. كل مُوْضِعٍ نَذَرَ المشْىَ فيه أو الركوبَ، فإنَّه يَلْزَمُه الإتْيانُ بذلك من دُوَيْرَة أهْلِهِ، إِلَّا أَنْ ينْوِىَ مَوْضِعًا بعَيْنِه، فيَلْزَمَه مِن ذلك الموْضعِ؛ لأنَّ النَّذْرَ محمولٌ على أصْلِه فى الفَرْضِ، والحجُّ المفروضُ بأصلِ الشَّرْعِ يجِبُ كذلك. ويُحْرِمُ للمَنْذُورِ من حيث يُحْرِم للواجبِ. قال بعضُ الشافعيَّة: يجبُ الإِحْرامُ به (١٣) من دُويْرَةِ أهلِه؛ لأنَّ إتْمامَ الحجِّ كذلك. ولَنا، أَنَّ المُطْلَقَ محمولٌ على المعْهودِ فى الشَّرْعِ، والإِحْرامُ الواجبُ إنَّما هو من المِيقاتِ، ويَلْزَمُه المَنْذورُ من المشْىِ أو الركوبِ فى الحجِّ أو العُمْرةِ (١٥) إلى أن يتحلَّلَ؛ لأنَّ ذلك انْقضاءُ الحجِّ والعمرةِ. قال أحمدُ: يرْكَبُ فى الحجِّ إذا رمَى، وفى العُمْرةِ إذا سَعَى؛ لأنَّه لو وَطِئَ بعدَ ذلك، لم يُفْسِدْ حَجًّا ولا عُمْرةً. وهذا يدُلُّ على أَنَّه إنَّما يَلزَمُه فى الحجِّ إلى (١٣) التَّحَلُّلِ الأوَّلِ.


(١٣) سقط من: م.
(١٤) فى ب: "ليس بمقصود".
(١٥) فى ب: "والعمرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>