للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثلاثةِ، وعن النَّخَعىِّ رِوايَتان؛ إحداهما، كقولِ ابنِ عمرَ. والثانية، كقولِ ابنِ عبَّاسٍ. وهذا قولُ مالكٍ. وقال أبو حنيفةَ: عليه هَدْىٌ، سَواء عجز عن المشْى أو قدَر عليه، وأقلُّ الهَدْى شاةٌ. وقال الشافعىُّ: لا يَلْزَمُه مع العَجْزِ كفَّارةٌ بحالٍ، إِلَّا أن يكونَ النَّذْرُ مَشْيًا إلى بيتِ اللَّهِ الحرامِ (٦)، فهل يَلْزَمُه هَدْىٌ؟ فيه قوْلانِ، وأمَّا غيرُه، فلا يَلْزَمُه مع العَجْزِ شىءٌ. ولَنا، قولُ النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، [حين قال] (٧) لأُختِ عُقْبةَ بن عامرٍ، لَمَّا نَذَرتِ المشْىَ إلى بيتِ اللَّه: "لِتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ، وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا" (٨). وفى روايةٍ: "وَلْتَصُمْ (٩) ثَلَاثَةَ أيَّامٍ". وقولُ النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ اليَمِينِ" (١٠). ولأنَّ المشْىَ ممَّا لا يُوجِبُه الإِحْرامُ، فلم يجبِ الدَّمُ بتَرْكِه، كما لو نَذَرَ صلاةَ ركعتيْن، فتَركَهما، وحديثُ الهَدْى ضعيفٌ، وهذا حجة على الشافعىِّ، حيثُ أوْجبَ الكفَّارةَ عليها [من غيرِ ذكرِ] (١١) العَجْزِ. فإن قيلَ: فإِنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أوْجبَ الكفارَة عليها من غيرِ ذِكْرِ العَجْزِ. قُلْنا: يتَعيَّنُ حَمْلُه على حالةِ العَجْزِ؛ لأنَّ المشْىَ قُربة؛ لأنَّه مَشْى إلى عبادةٍ، والمشىُ إلى العبادةِ أفضلُ، ولهذا رُوِىَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمْ يركبْ فى عِيدٍ ولا جَنازةٍ (١٢). فلو كانتْ قادرةً على المشْىِ، لأمرَها به. ولم يأمُرْها بالرُّكوبِ والتَّكْفيرِ، ولأنَّ المشْىَ المقْدورَ عليه لا يخْلُو مِن أن يكونَ واجبًا أو مُباحًا؛ فإنْ كان واجبًا، لَزِمَ الوفاءُ به، وإن كان مُباحًا، لم تجِب الكفَّارة بتَرْكِه عندَ الشافعىِّ، وقد أوْجبَ الكفَّارةَ ههُنا. وتَرْكُ ذِكْرِه فى الحديثِ؛ إمَّا لِعلمِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بحالِها وعَجْزِها، وإمَّا لأنَّ الظَّاهرَ من حالِ المرأةِ العَجْزُ عنِ المشْى إلى مَكَّةَ. أو يكونُ قد ذُكرَ فى الخَبرِ، فتَرَكَ الرَّاوِى ذِكْرَه. وقولُ أصحابِ أبى حنيفةَ: إنَّه أخلَّ بواجبٍ فى الحَجِّ. قُلْنا: المشْىُ لم يُوجِبْه الإحْرامُ، ولا هو من مَناسِكِه، فلم يجِبْ بتَرْكِه هدْىٌ، كما لو نَذرَ صلاةَ ركعتيْن فى الحجِّ، فلم يُصَلِّهما. فأمَّا إِنْ تركَ المشْىَ مع إمْكانِه،


(٦) سقط من: م.
(٧) سقط من: ب.
(٨) تقدم تخريجه، فى: صفحة ٦٢٦.
(٩) فى م: "فلتصم".
(١٠) تقدم تخريجه، فى: صفحة ٦٢٤.
(١١) فى ب: "مع".
(١٢) تقدم تخريجه، فى: ٣/ ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>