للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَفَ أيضًا على الذي حَلَفَ عليه أخُوه، وأخَذَ منه رُبْعَ الدِّيَةِ، ويحلِفُ خَمسْةً وَعشرين يَمِينًا؛ لأنَّه يَبْنِى على أيْمانِ أخيه، فلم يَلْزَمْه أكثرُ من خمسةٍ وعشرين، كما لو عرَفَه ابتداءً. وفيه وَجْهٌ آخرُ، أنَّه يَحْلِفُ خمسين يَمِينًا؛ لأنَّ أخاه حَلَفَ خمسين يَمِينًا، وللشافعيِّ في هذا قَوْلانِ، كالوَجْهَيْن. وَيجِىءُ في المسألةِ وَجْهٌ آخَرُ، وهو أنَّ الأوَّلَ لا يَحْلِفُ أكثرَ من خمسة وعشرين يَمِينًا؛ لأنَّه إنَّما يحْلِفُ على ما يَسْتَحِقُّه، والذي يسْتَحِقُّه النِّصْفُ، فيكونُ عليه نصفُ الأَيمانِ، كما لو حَلَفَ أخُوه معه. وإن قال كلُّ واحدٍ منهما: الذي كنتُ جَهِلْتُه غيرُ الذي عَيَّنَه أخي. بَطَلَتِ القَسامةُ التي أقْسَماها؛ لأنَّ التَّكْذِيبَ يَقْدَحُ في اللَّوثِ؛ فيَرُدُّ كلُّ واحدٍ منهما ما أخَذَ من الدِّيَةِ. وإن كَذَّبَ أحدُهما أخاه، ولم يُكذِّبْه الآخَرُ، بَطَلَتْ قَسامةُ المُكَذِّبِ دونَ الذي لم يُكَذِّبْ.

فصل: وإذا (٣١) قال الوَلِيُّ بعدَ القَسامةِ: غَلِطْتُ، ما هذا الذي قتَلَه. أو: ظَلَمْتُه بدَعْوَايَ القتلَ عليه. أو قال: كان هذا المُدَّعَى عليه في بلَدٍ آخَرَ يومَ قَتْلِ وَلِيِّي، وكان بينهمَا بُعْدٌ لا يُمْكنُ أنْ يقْتُلَه إذا كان فيه. بَطَلَتِ القَسامةُ، ولَزِمَه رَدُّ ما أخذَه؛ لأنَّه مُقِرٌّ على نفسِه، فقُبِلَ إقْرارُه. وإن قال: ما أَخَذْتُه حرامٌ. سُئِلَ عن ذلك، فإن قال: أرَدْتُ أنَّنِي كَذَبْتُ في دَعْوايَ عليه. بَطَلَتْ قَسامتُه أيضًا. وإن قال: أرَدْتُ أنَّ الأيْمانَ تكونُ في جَنَبةِ المُدَّعَى عليه، كمذهبِ أبي حنيفةَ. لم تَبْطُلِ القَسامةُ؛ لأنَّها ثَبتت باجْتهادِ الحاكمِ، فيُقَدَّمُ على اعْتقادِه، وإن قال: هذا (٣٢) مَغْصوبٌ. وأقرَّ بمَن غصَبَ منه (٣٣)، لَزِمَه رَدُّه عليه، ولا يُقْبَلُ قولُه على مَن أخذَه منه؛ لأنَّ الإِنسانَ لا يُقْبَلُ إقْرارُه على غيرِه. وإن لم يُقِرَّ به لأحَدٍ، لم تُرْفَعْ يدُه عنه؛ لأنَّه لم يتَعَيَّنْ مُسْتَحِقُّه. وإن اخْتلَفا في مُرادِه بقولِه، فالقولُ قولُه؛ لأنَّه أعْرَفُ بقَصْدِه.


(٣١) في م: "وإن".
(٣٢) في ب: "هو".
(٣٣) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>