للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ يَسْتَحِقُّ سَهْمًا، وهو مالِكٌ لنَفْعِه، فاسْتَحقَّ سَهْمَ الفرَسِ، كالمُسْتأجِرِ، ولأنَّ سَهْمَ الفَرَسِ مُسْتَحَقٌّ بمَنْفَعَتِه، وهى للمُسْتَعِيرِ بإذْنِ المالِك فيها، وفارَق النَّماءَ والولدَ، فإنَّه غيرُ مَأْذونٍ له فيه. فأمَّا إن اسَتعارَه لغيرِ الغَزْوِ، ثمَّ غَزا عليه، فهو كالفرَسِ المَغْصُوبِ، على ما سنذكُرُه.

فصل: وإنْ غَصَبَ فرسًا، فقاتَلَ عليه، فسَهْمُ الفرَسِ لمالِكِه. نَصَّ عليه أحمدُ. وقال بعضُ الحنفيَّةِ: لا سَهْمَ (٩) للفرَسِ. وهو وَجْهٌ لأصحابِ الشافِعِىّ. وقال بعضُهم: سَهْمُ الفَرَسِ للغاصِبِ، وعليه أُجْرَتُه لمالِكِه؛ لأنَّه آلةٌ، فكان الحاصِلُ بها لمُسْتَعْمِلِها (١٠)، كما لو غصَبَ مِنْجَلًا فاحْتَشَّ بها، أو سَيْفًا فقاتَلَ به. ولَنا، أنَّه فَرَسٌ قاتَلَ عليه مَنْ يسْتحِقُّ السَّهْمَ، فاستَحَقَّ السَّهْمَ، كما لو كان مع صاحِبِه، وإذا ثَبَتَ أنَّ له سَهْمًا كانَ لمالِكِه؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلَ للفرَسِ سَهْمَيْن، ولصاحِبِه سَهْمًا (١١)، وما كان للفرَسِ كان لمالِكِه، وفارَقَ ما يَحْتَشُّ به، فإنَّه لا شىءَ له، ولأنَّ السهْمَ مُسْتحَقُّ بِنَفْعِ الفرَسِ، ونَفْعُه لمالِكِه، فوجَبَ أن يكونَ ما يسْتَحِقُّ به له.

فصل: ومَن اسْتَأْجَرَ فرسًا ليغزُوَ عليه، فغَزَا عليه، فسَهْمُ الفرس له. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّه مُسْتَحِقٌّ لنَفْعِه اسْتِحْقاقًا لازِمًا، فكان سَهْمُه له، كمالِكِه.

فصل: فإنْ كان المُسْتأجِرُ والمُسْتَعِيرُ ممَّنْ لا سَهْمَ له؛ إمَّا لكَوْنِه لا شىءَ له كالمُرْجِفِ والمُخَذِّلِ، أو ممَّنْ يُرْضَخُ له كالصَّبِىِّ، فحكْمُه حُكْمُ فرَسِه، على ما ذَكَرْنا. وإنْ غَصَبَ فرسًا فقاتَلَ عليه، احْتَمَلَ أنْ يكون حُكْمُه حكمَ فرَسِه؛ لأنَّ الفرَسَ يتْبَعُ الفارِسَ فى حُكْمِه، فيَتْبَعُه إذا كان مَغْصُوبًا، قياسًا على فَرَسِه. واحْتَمَلَ أنْ يكونَ سهمُ الفرَسِ لمالِكِه؛ لأنَّ الجنايَةَ من راكِبه، والنَّقْصَ فيه، فيخْتَصُّ المنعُ به، وبما هو تابعٌ له، وفَرَسُه تابِعَةٌ له؛ لأنَّ ما كانَ لها فهو له، والفرَسُ هاهُنا لغيرِه، وسَهْمُها لمالِكِها، فلا ينْقُصُ سَهْمُها بنَقْصِ سَهْمِه، كما لو قاتَلَ العبْدُ على فرسٍ لسَيِّدِه. ولو قاتَلَ العبدُ بغيرِ إذْنِ


(٩) فى ب، م: "يسهم".
(١٠) فى م زيادة: "كلها".
(١١) تقدَّم تخريجه، فى صفحة ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>