للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يخْتلِفُ أهلُ العلمِ في وُجوبِ رَدِّ العَيْنِ المَسْروقَةِ على مالِكِها إذا كانتْ باقِيةً، فأمَّا إن كانتْ تالِفَةً، فعلَى السَّارِقِ رَدُّ قِيمَتِها، أو مِثْلِها إن كانتْ مِثْليَّةً، قُطِعَ أو لم يُقْطَعْ، مُوسِرًا كان أو مُعْسِرًا. وهذا قولُ الحسنِ، والنَّخَعِىِّ، وحَمَّادٍ، والْبَتِّىِّ، واللَّيْثِ، والشَّافِعِىِّ، وإسْحاقَ، وأبى ثَوْرٍ. وقال الثَّوْرِىُّ، وأبو حَنِيفةَ: لا يجتَمِعُ الغُرْمُ والقَطْعُ، إن غَرِمَها قبلَ القَطْعِ سَقَطَ القَطْعُ، وإن قُطِعَ قبلَ الغُرْمِ سَقَطَ الغُرْمُ. وقال عطاءٌ، وابنُ سِيرِينَ، والشَّعْبِىُّ، ومَكْحُولٌ: لا غُرْمَ علي السَّارِقِ إذا قُطِعَ, ووافَقَهم مالِكٌ في المُعْسِرِ، ووافَقْنَا في المُوسِرِ. قال أبو حنيفةَ، في رَجُلٍ سَرَقَ مَرَّاتٍ، ثم قُطِعَ: يَغْرَمُ الكُلَّ، إلَّا الأخيرةَ. وقال أبو يوسفَ: لا يَغْرَمُ شيئًا؛ لأنَّه قُطِعَ بالكُلِّ، فلا يَغْرَمُ شيئًا منه، كالسَّرِقَةِ الأخيرَةِ. واحْتَجَّ بما رُوِىَ عن عبد الرحمن بن عَوْفٍ، عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "إذَا أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ، فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ" (٣). ولأنَّ التَّضْمِينَ يَقْتَضِى التَّمْلِيكَ، والمِلْكُ يَمْنَعُ القَطْعَ، فلَا يُجْمَعُ بينَهما. ولَنا، أنَّها عَيْنٌ يجبُ ضَمانُها بالرَّدِّ لو كانت باقِيةً، فيجبُ ضَمانُها إذا كانتْ تَالِفَةً، كما لو لم يُقْطَعْ، ولأنَّ القَطْعَ والغُرْمَ حَقَّانِ يَجِبَانِ لمُسْتَحِقَّين، فجازَ اجْتماعُهما، كالجزَاءِ والقِيمَةِ في الصَّيْدِ الْحَرَمِىِّ المَمْلوكِ. وحديثُهم يَرْوِيه سعدُ بنُ إبراهيمَ، عن منصورٍ، وسعدُ بنُ إبراهيمَ مجهولٌ. قالَه ابنُ المُنْذِرِ. وقال ابنُ عبد البَرِّ: الحديثُ ليس بالْقَوِىِّ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ، ليس عليه أُجْرَةُ القاطِعِ. وما ذكَرُوه فهو بِناءٌ على أُصولِهم، ولا نُسَلِّمُها لهم.

فصل: وإذا فعلَ في العينِ فِعلًا نَقَصَها به، كقطعِ الثَّوْبِ ونحوِه، وجبَ رَدُّه ورَدُّ نَقْصِه، ووجبَ القَطْعُ. وقال أبو حنيفةَ: إنْ كانَ نَقْصًا لا يَقْطَعُ حَقَّ المغْصُوبِ منه إذا فَعَلَه الغاصِبُ، رَدَّ العَيْنَ ولا ضَمانَ عليه، وإن كانَ يَقْطَعُ حَقَّ المالكِ (٤)، كقَطْعِ


(٣) أخرجه النسائي، في: باب تعليق يد السارق في عنقه، من كتاب قطع السارق. المجتبى ٨/ ٨٥. والدارقطني، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطني ٣/ ١٨٢. والبيهقي، في: باب غرم السارق، من كتاب السرقة. السنن الكبرى ٨/ ٢٧٧.
(٤) في ب، م: "الملك".

<<  <  ج: ص:  >  >>