للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوُجُوهِ؛ لأنَّ حَمْلَه على مثل مَحَلِّ النِّزَاعِ مَنْهِىٌّ عنه، وأقَلَّ أحْوَالِه الكَرَاهَةُ، والظاهِرُ من حالِ أبى بكرٍ اجْتِنابُ المَكْرُوهاتِ. وقولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فأَشْهِدْ عَلَى هذَا غَيرِى". ليس بأَمْرٍ؛ لأنَّ أَدْنَى أحْوالِ الأمْرِ الاسْتِحْبَابُ والنَّدْبُ، ولا خِلَافَ في كَرَاهَةِ هذا. وكيف يجوزُ أن يَأمُرَه بِتَأْكِيدِه، مع أمْرِه بِرَدِّه، وتَسْمِيَتِه إيَّاه جَوْرًا، وحَمْلُ الحَدِيثِ على هذا، حَمْلٌ لِحَدِيثِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على التَّنَاقُضِ والتَّضَادِّ، ولو أمَرَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بإشْهادِ غيره، لَامْتَثَلَ (٩) بَشِيرٌ أمْرَه، ولم يَرُدَّ، وإنَّما هذا تَهْدِيدٌ له على هذا، فيُفِيدُ ما أفَادَه النَّهْىُ عن إتْمَامِه. واللَّه أعلمُ.

فصل: فإن خَصَّ بعضَهم لِمَعْنًى يَقْتَضِى تَخصِيصَه، مثل اخْتِصَاصِه بحَاجَةٍ، أو زَمَانَةٍ، أو عَمًى، أو كَثرَةِ عائِلَة، أو اشْتِغَالِه بالعِلْمِ أو نحوِه من الفَضَائِلِ، أو صَرَفَ عَطِيَّتَه عن بعضِ وَلَدِه لِفِسْقِه، أو بِدْعَتِه، أو لكَوْنِه يَسْتَعِينُ بما يَأْخُذُه على مَعْصِيَةِ اللَّه، أو يُنْفِقُه فيها، فقد رُوِى عن أحمدَ ما يَدُلُّ على جَوَازِ ذلك؛ لقولِه في تَخْصِيصِ بعضِهم بالوَقْفِ: لا بَأْسَ به إذا كان [لحاجَةٍ، وأكْرَهُه إذا كان] (١٠) على سَبِيلِ الأَثَرَةِ. والعَطِيَّةُ في مَعْناه. ويَحْتَمِلُ ظاهِرُ لَفْظِه المَنْعَ من التَّفْضِيلِ أو التَّخْصِيصِ (١١) على كلِّ حالٍ؛ لكَوْنِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَسْتَفْصِلْ بَشِيرًا في عَطِيَّتِه. والأَوّلُ أَوْلَى، إن شاءَ اللهُ؛ لِحَدِيثِ أبى بكرٍ، ولأنَّ بعضَهم اخْتَصَّ بمعنًى يَقْتَضِى العَطِيَّةَ، فجازَ أن يَخْتَصَّ بها، كما لو اخْتَصَّ بالقَرَابةِ (١٢). وحَدِيثُ بَشِيرٍ قَضِيَّةٌ في عَيْنٍ لا عُمُومَ لها، وتَرْكُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الاسْتِفْصَالَ يجوزُ أن يكونَ لِعِلْمه بالحالِ. فإن قِيلَ: لو عَلِمَ بالحالِ لمَا قال: "ألَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ؟ ". قُلْنا: يَحْتَمِلُ أن يكونَ السُّؤَالُ ههُنا لِبَيَانِ العِلَّةِ، كما قال عليه السلامُ للذى سَأَلَه عن بَيْعِ الرُّطَبِ بالتَّمْرِ: "أيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ " قال: نَعم:


(٩) في م: "امتثل".
(١٠) سقط من: الأصل.
(١١) في م: "والتخصيص".
(١٢) في م: "القرابة".

<<  <  ج: ص:  >  >>