للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِتَأْكِيدِها دون الرُّجُوعِ فيها، ولأنَّها عَطِيَّةٌ تَلْزَمُ بمَوْتِ الأبِ، فكانت جائِزَةً، كما لو سَوَّى بينهم. ولَنا، ما رَوَى النُّعْمانُ بن بَشِيرٍ قال: تَصَدَّقَ علىَّ أبِى بِبَعْضِ مالِه، فقالت أُمِّى عمرةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لا أرْضَى حتى تُشْهِدَ عليها رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فجاءَ أبِى إلى (٤) رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِيُشْهِدَه على صَدَقَتِه، فقال: "أكُلَّ وَلَدِكَ أعْطَيْتَ مِثْلَه؟ " قال: لا. قال: "فَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ". قال: فرَجَعَ أبِى، فرَدَّ تلك الصَّدَقَةَ. وفي لَفْظٍ قال: "فارْدُدْهُ". وفي لَفْظٍ قال: "فَأَرْجِعْهُ". [وفى لَفظٍ: "لا تُشْهِدْنِى عَلَى جَوْرٍ". وفي لَفْظٍ: "فأَشْهِدْ عَلَى هذَا غَيْرِي"] (٥). وفي لفظ: "سَوِّ بَيْنَهُم". وهو حَدِيثٌ صَحِيحٌ، مُتَّفَقٌ عليه (٦). وهو دَلِيلٌ على التَّحْرِيمِ؛ لأنَّه سَمَّاهُ جَوْرًا، وأمَرَ بِرَدِّه، وامْتَنَعَ من الشَّهَادَةِ عليه، والجَوْرُ حَرَامٌ، والأمْرُ يَقْتَضِى الوُجُوبَ، ولأنَّ تَفْضِيلَ (٧) بعضِهم يُورِثُ بَيْنَهُم العَدَاوة والبَغْضاءَ وقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، فمُنِعَ منه، كتَزْوِيجِ المَرْأةِ على عَمَّتِها أو خَالَتِها. وقولُ أبى بكرٍ لا يُعَارِضُ قولَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا يُحتَجُّ به معه. ويَحْتُمِلُ أنَّ أبا بكرٍ رَضِىَ اللَّه عنه، خَصَّهَا بِعَطِيَّتهِ (٨) لِحَاجَتِها وعَجْزِهَا عن الكَسْبِ والتَّسَبُّبِ فيه، مع اخْتِصَاصِها بِفَضلِها، وكَوْنِها أُمِّ المُؤْمِنينَ زَوجَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وغير ذلك من فَضَائِلِها. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ قد نَحَلَها ونَحَلَ غيرَها من وَلَدِه، أو نَحَلَها وهو يُرِيدُ أن يَنْحَلَ غيرَها، فأدْرَكَه المَوْتُ قبلَ ذلك. ويَتَعَيَّنُ حَمْلُ حَدِيثِه على أحدِ هذه


(٤) سقط من: م.
(٥) سقط من: الأصل.
(٦) أخرجه البخاري، في: باب الإِشهاد في الهبة، من كتاب الهبة. صحيح البخاري ٣/ ٢٠٦ ومسلم، في: باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، من كتاب الهبات. صحيح مسلم ٣/ ١٢٤٢ - ١٢٤٤.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الرجل يفضل بعض ولده في النحل، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٦٢. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٢٦٨.
(٧) سقط من: م. وهو في الأصل: "في تفضيل".
(٨) في الأصل: "بعطية".

<<  <  ج: ص:  >  >>