للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خُيِّرَ رسُولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُما (٢٦)، ولأنَّ فيه مُخَالَفَةَ أهْلِ البِدَعِ، وقد رُوِىَ عن سُفْيَانَ الثَّوْرِىِّ أنَّه قال لِشُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ (٢٧): لا يَنْفَعُكَ ما كَتَبْتَ، حتى تَرَى المَسْحَ على الخُفَّيْنِ أفْضَلَ مِن الغَسْلِ. ورَوَى حَنْبَلٌ، عن أحمدَ، أنَّه قال: كُلُّهُ جَائِزٌ، المَسْحُ والغَسْلُ، ما في قَلْبِى مِنَ المَسْحِ شيءٌ، ولا من الغَسْلِ. وهذا قَوْلُ ابْنِ المُنْذِرِ. ورُوِىَ عن ابنِ عُمَرَ، أنَّه أمَرَهُمْ أنْ يَمْسَحُوا على خِفَافِهِم، وخَلَعَ خُفَّيْه، وتَوَضَّأ، وقال: حُبِّبَ إلَىَّ الوُضُوءُ. وقال ابنُ عُمَرَ: إنِّي لَمُولَعٌ بِغَسْلِ قَدَمَىَّ، فلا تَقْتَدُوا بِى. وقِيل: الغَسْلُ أفْضَلُ، لأنَّه المَفْرُوضُ في كِتابِ اللهِ تعالى، والمَسْحُ رُخْصَةٌ. وقد ذَكَرْنَا مِنْ حديثِ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ تُقْبَلَ رُخَصُهُ".

٧٨ - مسألة؛ قال أبو القاسِم، رحمه اللهُ: (ومَنْ لَبِسَ خُفَّيْهِ، وَهُوَ كامِلُ الطَّهَارَةِ، ثُمَّ أَحْدَثَ، مَسَحَ عَلَيْهِما)

لا نعلمُ في اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ لِجَوَازِ المَسْحِ خِلافًا. ووَجْهُه: ما روى المُغِيرَةُ، قال: كنتُ مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في سَفَرٍ، فأهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فقال: "دَعْهُما فإنِّى أدْخَلْتُهُما طَاهِرَتَيْنِ" فمَسَحَ عليْهِما. مُتَّفَقٌ عليه (١). فأمَّا إنْ غَسَلَ


(٢٦) أخرجه البخاري، في: باب صفة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، من كتاب المناقب، وفى: باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: يسروا ولا تعسروا، من كتاب الأدب، وفي: باب إقامة الحدود، من كتاب الحدود. صحيح البخاري ٤/ ٢٣٠، ٨/ ٣٧، ١٩٨، ١٩٩. ومسلم، في: باب مباعدته -صلى اللَّه عليه وسلم- للآثام، من كتاب الفضائل. صحيح مسلم ٤/ ١٨١٣. وأبو داود، في: باب التجاوز في الأمر، من كتاب الأدب. سنن أبي داود ٢/ ٥٥٠. والإِمام مالك في: باب ما جاء في حسن الخلق، من كتاب حسن الخلق. الموطأ ٢/ ٩٠٣. والإِمام أحمد، في: المسند ٦/ ٨٥، ١١٣، ١١٤، ١١٦، ١٣٠، ١٦٢، ١٨٢، ١٨٩، ١٩١، ٢٠٩، ٢٢٣، ٢٣٢، ٢٦٢.
(٢٧) شعيب بن حرب المدائنى الزاهد، أحد علماء الحديث، المتوفى سنة سبع وتسعين ومائة. العبر ١/ ٣٢٣.
(١) أخرجه البخاري، في: باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، من كتاب الوضوء، وفي: باب جبة الصوف في الغزو، من كتاب اللباس. صحيح البخاري ١/ ٦٢، ٧/ ١٨٦. ومسلم، في: باب المسح على الخفين، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم ١/ ٢٣٠. وأبو داود، في: باب المسح على الخفين، من كتاب الطهارة. سنن أبى داود ١/ ٣٣. والدارمى، في: باب في المسح على الخفين، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي ١/ ١٨١. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٢٤٥، ٢٥١، ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>