للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُقِرُّ، فكان المَرْجِعُ إلى ما اعْتَقَدَه المُقِرُّ مع يَمِينِه، إذا ادَّعَى عليه أكْثَرَ منه. وإن فَسَّرَهُ بأَقَلَّ من مالِه، مع عِلْمِه بمالِه، لم يقْبَلْ. وقال أصْحابُنَا: يُقْبَلُ تَفْسِيرُه بالقَلِيلِ والكَثِيرِ. وهو مذهبُ الشّافِعِىِّ، سواءٌ عَلِمَ مالَ فُلَانٍ أو جَهِلَه، أو ذَكَرَ قَدْرَهُ أو لم يَذْكُرْه، أو قالَه عَقِيبَ الشّهَادَةِ بِقَدْرِه أولا (٢٩)؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أنَّه أكْثَرُ منه بَقَاءً أو مَنْفَعَةً أو بَرَكَةً، لِكَوْنِه من الحَلَالِ، أو لأنَّه في الذِّمَّةِ. قال القاضي: ولو قال: لِى عَلَيْكَ أَلْفُ دِينَارٍ. فقال: لَكَ عَلَىَّ أَكْثَرُ من ذلك. لم يَلْزَمْهُ أكْثَرُ منها؛ لأنَّ لَفْظَةَ أكْثَر مُبْهَمَةٌ، لِاحْتِمَالِها ما ذَكَرْنا، ويَحْتَمِلُ أنَّه أرَادَ أَكْثَرَ منه فُلُوسًا، أو حَبَّ حِنْطَةٍ أو شَعِيرٍ أو دُخْنٍ، فرجَع في تَفْسِيرِها إليه. وهذا بَعِيدٌ؛ فإنَّ لَفْظَةَ أكْثَرَ إنَّما تُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً في العَدَدِ، أو في القَدْرِ، وتَنْصَرِفُ إلى جِنْسِ ما أُضِيفَ أَكْثَر إليه، لا يُفْهَمُ في الإِطْلَاقِ غيرُ ذلك، قال اللَّه تعالى: {كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ} (٣٠). وأَخْبَرَ عن الذي قال: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا} (٣١). {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا} (٣٢). والإِقْرَارُ يُؤْخَذُ فيه بالظَّاهِرِ دون مُطْلَقِ الاحْتِمالِ، ولهذا لو أقَرَّ بِدَرَاهِمَ، لَزِمَهُ أقَلُّ الجَمْعِ جِيَادًا صِحَاحًا وَازِنَةً حَالَّةً. ولو قال: له عَلَىَّ دَرَاهِمُ. لم يقْبَلْ تَفْسِيرُها بالوَدِيعَةِ. ولو رَجَعَ إلى مُطْلَقِ الاحْتِمالِ لسَقَطَ الإِقْرَارُ. واحْتِمَالُ ما ذَكَرُوه أَبْعَدُ من هذه الاحْتِمَالَاتِ التي لم يَقْبَلُوا تَفْسِيرَه بها، فلا يُعَوَّلُ على هذا.

فصل: ولو قال: له عَلَىَّ أَلْفٌ، إلَّا شيئا. قُبِلَ تَفْسِيرُه بأَكْثَرَ من خمسِمائة؛ لأنَّ الشىءَ يَحْتَمِلُ القَلِيلَ والكَثِيرَ، لكنْ لا يجوزُ اسْتِثْنَاءُ الأَكْثَرِ. فتَعَيَّنَ حَمْلُه على ما دون النِّصْفِ. وكذلك إن قال: إلَّا قَلِيلًا؛ لأنَّه مُبْهَمٌ، فأشْبَه قولَه: إلَّا شيئا. وإن قال: له عَلَىَّ مُعْظَمُ أَلْفٍ، أو جُلُّ أَلْفٍ، أو قَرِيب من أَلْفٍ. لَزِمَهُ أكْثَرُ من نِصْفِ الأَلْفِ، ويَحْلِفُ على الزِّيَادةِ إن ادُّعِيَتْ عليه.


(٢٩) سقط من: ب.
(٣٠) سورة غافر ٨٢.
(٣١) سورة الكهف ٣٤.
(٣٢) سورة سبأ ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>