للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَوْرٍ: إن كان الخُلْعُ بلفظِ الطَّلاقِ، فله الرَّجعةُ؛ لأنَّ الرَّجعةَ مِن حقوقِ الطَّلاقِ، فلا تسْقُطُ بالعِوَضِ، كالوَلاءِ مع العِتْقِ. ولَنا، قوُله سبحانه وتعالى: {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (٤). وإنَّما يكونُ فداءً إذا خرجتْ به عن قَبْضتِه وسُلْطانِه، وإذا كانت له الرَّجْعةُ، فهى تحتَ حُكْمِه، ولأنَّ القَصْدَ إزالةُ الضَّرَرِ عن المرأةِ، فلو جازَ ارْتجاعُها، لعَاد الضَّررُ، وفَارقَ الوَلاءَ؛ فإنَّ العِتْقَ لا يَنْفَكُّ منه، والطَّلاقُ ينْفَكُّ عن الرَّجعةِ فيما قبلَ الدُّخولَ، وإذا أكْملَ العددَ.

فصل: فإن شَرَطَ فى الخُلْعِ أَنَّ له الرَّجْعةَ، فقال ابنُ حامدٍ: يبْطُلُ الشَّرْطُ، ويصحُّ الخُلْعُ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، وَإحْدَى الرِّوايتيْنِ عن مالكٍ؛ لأنَّ الخُلْعَ لا يفْسُدُ بكَوْنِ عِوَضِه فاسدًا، فلا يفْسُدُ بالشَّرْطِ الفاسدِ، كالنِّكاحِ، ولأنَّه لفظٌ يقْتضِى البَيْنُونةَ. فإذا شرَطَ الرَّجْعةَ معه، بطَلَ الشَّرْطُ، كالطَّلاقِ الثَّلاثِ. ويَحْتَمِلُ أَنْ يبطُلَ الخُلْعُ وتثبُتَ الرَّجْعةُ. وهو مَنْصوصُ الشَّافعىِّ؛ لأنَّ شَرْطَ العِوَضِ والرَّجْعةِ مُتنافِيانِ (٥)، فإذا شَرَطاهما سقَطا، وبَقِىَ مُجَرَّدُ الطَّلاقِ، فنُثْبِتُ الرَّجعةَ بالأصلِ لا بالشَّرْطِ، ولأنَّه شرَطَ فى العَقْدِ ما يُنافِى مُقْتضاه، فأبْطلَه، كما لو شرَطَ أن لا يتصَرَّفَ فى المبيعِ. وإذا حَكَمْنا بالصِّحَّةِ، فقال القاضى: يسْقُطُ المُسمَّى فى العِوَضِ؛ لأنَّه يَرْضَ به عِوَضًا حتى ضَمَّ إليه الشَّرطَ، فإذا سقَطَ الشَّرْطُ، وجَبَ ضَمُّ النُّقْصانِ الذى نقَصَه من أجلِه إليه، فيصيرُ مجهولًا، فيسْقُطُ، ويجبُ المُسمَّى فى العَقْدِ. ويَحْتَمِلُ أن يجبَ المُسمَّى؛ لأنَّهما ترَاضَيا به عِوَضًا، فلم يجبْ غيرُه، كما لو خَلَا عن شَرْطِ الرَّجْعةِ.

فصل: فإن شرطَ الخيارَ لها أو له، يومًا أو أكثرَ، وقَبِلَتِ المرأةُ، صحَّ الخُلْعُ، وبطَلَ الْخِيارُ. وبه قال أبو حنيفةَ، فيما إذا كان الخيارُ للرَّجلِ. وقال: إذا جعلَ الخيارَ للمرأةِ، ثبَتَ لها الخِيارُ، ولم يقَعِ الطَّلاقُ. وَلنا، أَنَّ سَبَبَ وُقوعِ الطَّلاقِ وُجِدَ، وهو اللَّفظُ به،


(٤) سورة البقرة ٢٢٩.
(٥) فى الأصل: "يتنافيان".

<<  <  ج: ص:  >  >>