للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإذا اختلفَ الوَصِيَّانِ عندَ مَن يُجْعَلُ المالُ (٤) منهما، لم يُجْعَلْ عندَ واحدٍ منهما، ولم يُقْسَمْ بينهما، وجُعِلَ في مكانٍ تحتَ أيديهما جميعًا؛ لأنَّ المُوصِىَ لم يأْمنْ أحدَهما على حِفْظِه، ولا التَّصرُّفِ فيه. وقال مالكٌ: يُجْعَلُ عندَ أعْدَلِهما. وقال أصحابُ الرَّأىِ: يُقْسَمُ بينهما. وهو المنصوصُ عن الشَّافعىِّ، إلَّا أنَّ أصحابَه اخْتلَفُوا في مُرادِه بكلامِه؛ فقال بعضُهم: إنَّما أرادَ إذا كانَ كلُّ واحدٍ منهما مُوصًى إليه على الانْفِرادِ. وقالَ بعضُهم: بل هو عامٌّ فيهما. ولَنا، أنَّ حفظَ المالِ من جُمْلَةِ المُوصَى به، فلم يَجُزْ لأحدِهما الانْفِرادُ به، كالتَّصرُّفِ. ولأنَّه لو جازَ لكلِّ واحدٍ منهما أن يَنْفَرِدَ بحِفْظِ بعضِه، لَجازَ له أن يَنْفَرِدَ بالتَّصرُّفِ في بعضِه.

فصل: لا بأسَ بالدُّخولِ في الوَصِيَّةِ، فإنَّ الصحابةَ، رضى اللهُ عنهم، كان بعضُهم يُوصِى إلى بعضٍ، فيَقْبَلونَ الوَصِيَّةَ، فرُوِى عن أبي عُبَيْدةَ، أنَّه لمّا عبرَ الفُرَاتَ أوصَى إلى عُمرَ. وأوْصَى إلى الزُّبَيْرِ ستةٌ من أصحابِ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ عثمانُ، وابنُ مَسعودٍ، والمِقْدادُ، وعبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ، ومُطِيعُ بنُ الأسْودِ، وآخرُ. ورُوِى عن ابنِ عمرَ أنَّه كان وَصِيًّا لرَجلٍ. وفى وَصِيَّةِ ابنِ مسعودٍ: إنْ حدَثَ بى حادِثُ الموتِ مِن مَرَضِى هذا، أنَّ مَرْجِعَ وَصِيَّتى إلى اللهِ سبحانَه، ثم إلى الزُّبيرِ بنِ العَوَّامِ، وابنِه عبدِ اللهِ (٥). ولأنَّها وَكالةٌ وأمانةٌ، فأشبَهتِ الوَدِيعةَ والوَكالةَ في الحياةِ. وقياسُ مذهبِ أحمدَ أنَّ تركَ الدُّخولِ فيها أولَى؛ لما فيها من الخَطَرِ، وهو لا يُعْدِلُ بالسَّلامةِ شيئا، ولذلك كانَ يَرى تركَ الالْتِقاطِ، وتَرْكَ الإِحْرامِ قبلَ المِيقاتِ أفضلَ، تَحرِّيًا للسَّلامَةِ، واجْتِنابًا للخَطَرِ. وقد رُوِى حديثٌ يَدلُّ على ذلك، وهو ما رُوِىَ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأبي ذَرٍّ: "إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وإِنِّى أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِى، فَلَا تَأَمَّرَنَّ


(٤) سقط من: أ.
(٥) تقدم في صفحة ٤٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>