للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن أرادَ الحاكمُ رَدَّ النظَرِ إلى الباقى منهما، لم يكُنْ له ذلك. وذكرَ أصحابُ الشافعىِّ وجهًا في جوازِه؛ لأنَّ النَّظَرَ لو كان له لِمَوْتِ المُوصِى عن غيرِ وَصِيَّةٍ، كان له رَدُّه إلى واحدٍ، كذلك ههُنا، فيَكُونُ ناظرًا بالوَصِيَّةِ من المُوصِى، والأمانةِ من جِهَةِ الحاكِم. ولَنا، أنَّ المُوصِىَ لم يَرضَ بتَصرُّفِ هذا وحدَه، فوجَبَ ضَمُّ غيرِه إليه؛ لأنَّ الوَصِيَّةَ مُقدَّمةٌ على نَظَرِ الحاكِم واجْتهادِه. وإن تغيَّرتْ حالُهما جميعا بمَوتٍ أو غيرِه، فلِلْحاكِم أن يَنْصِبَ مَكانَهما. وهل له نَصْبُ واحدٍ؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، له ذلك؛ لأنَّه لمَّا عُدِمَ الوَصِيَّانِ، صارَ الأمرُ إلى الحاكمِ بمَنْزلةِ ما لم يُوصِ، ولو لم يُوصِ لاكْتُفِىَ بواحدٍ، كذا ههُنا. ويُفارقُ ما إذا كانَ أحدُهما حَيًّا؛ لأنَّ الموصِىَ بيَّن أنَّه لا يَرْضَى بها وحدَه، بخلافِ ما إذا ماتا معًا. والثانى، لا يجوزُ أن يَنْصِبَ إلَّا اثْنَيْن؛ لأنَّ المُوصِىَ لم يرضَ بواحدٍ، فلم يَقْتنعْ به، كما لو كان أحدُهما حَيًّا. فأمَّا إن جعلَ لكلِّ واحدٍ منهما التَّصرُّفَ مُنْفَرِدًا، فمات أحدُهما أو خرجَ من الوَصِيَّةِ، لم يكنْ للحاكِم أن يُقيمَ مُقامَه أمينًا؛ لأنَّ الباقىَ منهما له النَّظرُ بالوَصِيَّةِ، فلا حاجةَ إلى غيرِه. وإن ماتا معًا، أو خرَجا عن الوَصِيَّةِ، فللحاكِم أن يُقيمَ واحدًا يتصَرَّفُ. وإن تَغيَّرتْ حالُ أحدِ الوَصِيَّينِ تَغْيِيرًا لا يُزِيلُه عن الوَصِيَّةِ، كالعَجْزِ عنها لضَعْفٍ أو عِلةٍ ونحوِ ذلك، وكانا ممَّن لكلِّ واحدٍ منهما التَّصَرُّفُ مُنْفَردًا، فليس للحاكِم أن يَضُمَّ إليهما أمينًا؛ لأنَّ الباقىَ منهما يَكْفِى، إلَّا أن يكونَ الباقى منهما يَعْجِزُ عن التَّصرفِ وحدَه (١)؛ لكثرةِ العملِ ونحوِه، فله أن يُقِيمَ أمينًا. وإن كانَا (٢) ممَّن ليس لأحدِهما التَّصَرُّفُ على الانْفِرادِ، فعلى الحاكمِ أن يُقيمَ مُقامَ مَن ضَعُفَ عنها أمينًا، يتصَرَّفُ معه على كلِّ حالٍ، فيَصِيرُون ثلاثةً؛ الوَصِيَّان والأمِينُ معهما، و [ليس] (٣) لكلِّ واحدٍ منهم التَّصَرُّفُ وحدَه.


(١) في الأصل: "عنده".
(٢) في أ، م: "كان".
(٣) تكملة يصح بها السياق. وفي حاشية م إشارة إلى هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>