للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَضْمَنَهُ بما نَقَصَ؛ لأنَّه لا يَضْمنُ ما لم يَتْلفْ، ولم يَتْلَفْ جَمِيعُه، بِدَلِيلِ ما لو قَتَلَه مُحْرِمٌ آخَرُ لَزِمَهُ الجَزَاءُ. ومِن أصْلِنا أنَّ على المُشْتَرِكِينَ جَزَاءً واحِدًا، وضَمَانُه بجَزاءٍ كامِلٍ يُفْضِى إلى إيجابِ جَزَاءَيْنِ. وإن غَابَ غيرَ مُنْدَمِلٍ، ولم يُعْلَمْ خَبَرُهُ، والجِرَاحَةُ مُوجِبَةٌ [وهى التى لا يَعِيشُ مَعَها غالِبًا] (٦١)، فعليه ضَمَانُ جَمِيعِه، كما لو قَتَلَهُ. وإن كانتْ غيرَ مُوجِبَةٍ، فعليه ضَمَانُ ما نَقَصَ، ولا يَضْمَنُ جَمِيعَه؛ لأنَّنا لا نَعْلَمُ حُصُولَ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ، فلم يَضْمَنْ، كما لو رَمَى سَهْمًا إلى صَيْدٍ، فلم يَعْلَمْ أَوَقَعَ به أم لا، وكذلك إن وَجَدَهُ مَيِّتًا، ولم يَعْلَمْ أمَاتَ من الجِنَايَةِ أم من غَيْرِها. ويَحْتَمِلُ أن يَلْزَمَهُ ضَمَانُه هاهُنا؛ لأنَّه وُجِدَ سَبَبُ إتْلَافِه منه، ولم يُعْلَمْ له سَبَبٌ آخَرُ، فوَجَبَ إحَالَتُه على السَّبَبِ المَعْلُومِ، كما لو وَقَعَ فى الماءِ نَجَاسَةٌ، فوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا تَغَيُّرًا يَصْلُحُ أن يَكُونَ منها، فإنَّنا نَحْكُمُ بِنَجَاسَتِه، وكذلك لو رَمَى صَيْدًا، فغَابَ عن عَيْنِه، ثم وَجَدَه مَيِّتًا لا أثَرَ به غيرُ سَهْمِه، حَلَّ أكْلُه. وإنْ صَيَّرَتْهُ الجِنَايَةُ غيرَ مُمْتَنِعٍ، فلم يَعْلَمْ أصارَ مُمْتَنِعًا أم لا، فعليه ضَمَانُ جَمِيعِه؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الامْتِناعِ.

فصل: وإن جَرَحَ صَيْدًا، فتَحَامَلَ، فَوَقَعَ فى شىءٍ تَلِفَ به، ضَمِنَه؛ لأنَّه تَلِفَ بِسَبَبِه. وكذلك إن نَفَّرَه، فتَلِفَ فى حال نُفُورِه، ضَمِنَهُ. فإن سَكَنَ فى مَكانٍ، وأَمِنَ من نُفُورِه، ثم تَلِفَ، لم يَضْمَنْهُ. وقد ذَكَرْنَا وَجْهًا آخَرَ، أن يَضْمَنَهُ في المَكانِ الذى انْتَقَلَ إليه؛ لما رَوَى الشَّافِعِىُّ فى "مُسْنَدِه" (٦٢)، عن عمرَ، رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه دَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ، فألْقَى رِدَاءَهُ علي وَاقِفٍ فى البَيْتِ، فوَقَعَ [عليه طَيْرٌ] (٦٣) من هذا الحَمامِ، فأطَارَهُ، فَوَقَعَ على وَاقِفٍ آخرَ (٦٤)، فانْتَهَزَتْهُ حَيَّةٌ


(٦١) سقط من: ب، م.
(٦٢) فى: باب فيما يياح للمحرم وما يحرم. . .، من كتاب الحج. ترتيب مسند الشافعى للسندى ١/ ٣٣٣.
(٦٣) فى الأصل: "على طائر".
(٦٤) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>