للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أقْرَضَهُ إِيّاهُ، بَرِئَ أيضًا؛ لذلك. وإن أعَارَهُ إِيَّاهُ، بَرِئَ أيضًا؛ لأنَّ العَارِيَّةَ تُوجِبُ الضَّمَانَ. وإن أَوْدَعَهُ إيَّاهُ، أو آجَرَهُ إِيَّاهُ، أو رَهَنَهُ، أو أَسْلَمَهُ عنده لِيَقْصِرَه أو يُعْلِمَهُ، لم يَبْرَأْ بن الضَّمانِ، إلَّا أن يكونَ عَالِمًا بالحالِ؛ لأنَّه لم يَعُدْ إليه سُلْطَانُه، إنَّما قَبَضَهُ على أنَّه أمانَةٌ. وقال بعضُ أصْحَابِنَا: يَبْرَأُ؛ لأنَّه عَادَ إلى يَدِه وسُلْطَانِه. وهذا أحَدُ الوَجْهَيْنِ لأَصْحَابِ الشّافِعِيِّ. والأَوَّلُ أَوْلَى؛ فإنَّه لو أُباحَهُ إِيّاهُ فأكَلَه، لم يَبْرَأْ، فههُنا أَوْلَى.

فصل: إذا اخْتَلَفَ المالكُ والغاصِبُ في قِيمَةِ المَغْصُوبِ، ولا بَيِّنَةَ لأحَدِهما، فالقولُ قولُ الغاصبِ؛ لأنَّ الأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِه (٤٨)، فلا يُلْزِمُهُ، ما لم يُقِمْ عليه به حُجَّةً، كما لو ادَّعَى عليه دَيْنًا، فأقَرَّ بِبَعْضِه. وكذلك إن قال المالِكُ: كان كاتِبًا أو له صِنَاعَةٌ. فأنْكَرَ الغاصِبُ، فالقولُ قولُه كذلك، فإن شَهِدَتْ له البَيِّنَةُ بالصِّفَةِ، ثَبَتَتْ. وإن قال الغاصِبُ: كانت فيه سَلْعَةٌ (٤٩)، أو إِصْبَغٌ زائِدَةٌ، أو عَيْبٌ. فأنْكَرَ المالِكُ، فالقولُ قولُه؛ لأنَّ الأَصْلَ عَدَمُ ذلك، والقولُ قولُ الغاصِبِ في قِيمَتِه على كلِّ حالٍ. وإن اخْتَلَفَا بعد زِيَادَةِ قِيمَةِ (٥٠) المَغْصُوبِ في وَقْتِ زِيَادَتِه، فقال المالِكُ: زَادَتْ قبلَ تَلَفِه. وقال الغاصِبُ: إنَّما زَادَتْ قِيمَةُ المتَاعِ بعدَ تَلَفِه. فالقولُ قولُ الغاصبِ؛ لأنَّ الأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِه. وإن شَاهَدْنَا العَبْدَ مَعِيبًا، فقال الغاصِبُ: كان مَعِيبًا قبلَ غَصْبِه. وقال المالِكُ: تَعَيَّبَ عندَك. فالقولُ قولُ الغاصِبِ؛ لأنَّه غَارِمٌ، ولأنَّ الظّاهِرَ أن صِفَةَ العَبْدِ لم تَتَغَيَّرْ. وإن غَصَبَهُ خَمْرًا، ثم قال صاحِبُه: تَخَلَّلَ عِنْدَكَ. وأنْكَرَ الغاصِبُ، فالقولُ قولُه؛ لأنَّ الأَصْلَ بَقَاؤُه على ما كان، وَبرَاءَةُ الذِّمَّةِ. وإن اخْتَلَفَا في رَدِّ المَغْصُوبِ، أو رَدِّ مِثْلِه أو قِيمَتِه، فالقولُ قولُ المالِكِ؛ لأنَّ الأَصْلَ عَدَمُ ذلك، واشْتِغَالُ الذِّمَّةِ به. وإن اخْتَلَفَا في تَلَفِه، فادَّعَاهُ الغاصِبُ، وأنْكَرَهُ المالِكُ، فالقولُ قولُ الغاصِبِ؛ لأنَّه أعْلَمُ بذلك، وتَتَعَذَّرُ إقَامَةُ البَيِّنَةِ عليه، فإذا حَلَفَ فلِلْمَالِكِ المُطَالَبَةُ بِبَدَلِه؛ لأنَّه تَعَذَّرَ رَدُّ العَيْنِ، فلَزِمَ


(٤٨) في ب: "الذمة".
(٤٩) السلعة: الشجة في الرأس، كائنة ما كانت.
(٥٠) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>