للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحَدُكُمْ عَلَى خِطْبةِ أَخِيهِ". ولأنَّه وجد منها ما دَلَّ على الرِّضَى به، وسُكُونِها إليه، فحَرُمَتْ خِطْبَتُها، كما لو صَرَّحَتْ بذلك. وأما حديثُ فاطمةَ فلا حُجَّةَ لهم فيه، فإنَّ فيه ما يَدُلُّ على أنَّها لم تَرْكَنْ إلى واحدٍ منهما، من وَجْهَيْنِ؛ أحدهما، أَنَّ النبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد كان قال لها: "لَا تَسْبِقِينِى بنَفْسِكِ". وفى لفظ: "لَا تَفُوتِينَا (٧) بنَفْسِكِ". وفى روايةٍ (٨): "إذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِى". فلم تَكُنْ لتَفْتاتَ بالإِجابةِ قبلَ أن تُؤْذِنَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. والثانى، أنَّها ذَكَرَتْ ذلك لرسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كالمُسْتَشِيرةِ له فيهما، أو فى العُدُولِ عنهما [إلى غيرِهما] (٩)، وليس فى الاسْتِشارةِ دليلٌ على تَرْجِيحِ أحدِ الأمْرَيْنِ، ولا مَيْلٍ إلى أحَدِهِما، على أنَّها إنَّما ذكَرَتْ ذلك للنبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لتَرْجِعَ إلى قولِه ورَأْيِه، وقد أشارَ عليها بتَرْكِهِما؛ لما ذكَر (١٠) من عَيْبِهِما، فجَرَى ذلك مَجْرَى رَدِّها لهما، وتَصْرِيحِها بمَنْعِهِما. ومن وَجْهٍ آخرَ، وهو (١١) أَنَّ النَّبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد سَبَقَهُما بخِطْبَتِها تَعْرِيضًا، بقولِه لها ما ذكرْنا، فكانت خِطْبَتُه بعدَهما مَبْنِيّةً على الخِطْبةِ السابقةِ لهما، بخلافِ ما نحن فيه.

فصل: والتَّعْويلُ فى الرَّدِّ والإِجابةِ على الوَلِىِّ إن كانت مُجْبَرَةً، وعليها إن لم تَكُنْ مجبرةً؛ لأنَّها أحَقُّ بنَفْسِها من وَلِيِّها، ولو أجابَ هو، ورَغِبَتْ عن النكاحِ، كان الأمْرُ أمْرَها. وإن أجابَ وَلِيُّها، فرَضِيَتْ، فهو كإجابَتِها، وإن سَخِطَتْ فلا حُكْمَ لإِجَابَتِه؛ لأنَّ الحَقَّ لها. ولو أجابَ (١٢) الوَلِىُّ فى حَقِّ المُجْبَرَةِ، فكَرِهَتْ المُجابَ، واخْتارَتْ غيرَه، سَقَطَ حكمُ إجابةِ وَلِيِّها، لكَوْنِ اخْتيارِها مُقَدَّما على اخْتيارِه. وإن كَرِهَتْه ولم تُجِزْ سِواهُ، فيَنْبَغِى أن يَسْقُطَ حكمُ الإِجابةِ أيضًا؛ لأنَّه قد أُمِرَ باسْتِئْمارِها،


(٧) فى م: "تفوتينى".
(٨) فى أ: "لفظ".
(٩) سقط من: الأصل، أ، ب.
(١٠) فى م: "ذكرنا".
(١١) سقط من: م.
(١٢) فى الأصل: "أجاز".

<<  <  ج: ص:  >  >>