للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أصحابُ الشافعيِّ: إن كان الأكْثَرُ الْمُسْتَعْملَ منَع، وإن كان الأقَلُّ لم يمْنَع.

وقال ابنُ عقيلٍ: إن كان الواقِعُ بحيث لو كان خَلًّا غَيَّرَ الماءَ مَنَع وإلَّا فلا.

وما ذكَرْنا من الخبرِ، وظاهرِ حالِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابِه، يَمْنَع مِن اعْتبارِه بالْخلِّ، لأنَّه مِن أسْرَعِ المائعاتِ نُفُوذًا، وأَبْلَغِها سِرَايةً، فيُؤثِّرُ قليلهُ في الماء، والحديثُ دَلَّ علَى العَفْوِ عن يَسِيرِه، فإِذًا يُرْجَع في ذلك إلى العُرْف، فما كان كثيرًا مُتفاحِشًا منَع وإلَّا فلا، وإن شَكَّ فالماءُ باقٍ علَى الطُّهُورِيَّةِ؛ لأنها الأصلُ، فلا يزولُ عنه بالشَّكِّ.

فصل: فإن كان معه ماءٌ، لا يكْفِيه لطَهارته، فكَمَّلَه بمائِع لم يُغَيِّرْه، جاز الوضُوءُ به، في إحْدَى الرِّوايتيْن، لأنَّه طاهرٌ لم يُغَيِّر الماءَ فلم يَمْنَع كما لو كان الماءُ قَدْرًا يُجْزىء في الطَّهارة. والثانية: لا يجوز، لأنَّنا نَتَيقَّنُ حصُولَ غَسْلِ بعضِ أعضائِه بالمائِع. والأُولَى أوْلَى، لأنه لمَّا لم تظْهَرْ صفةُ المائع علَى الماِء صار حكمُ الجميعِ حُكْمَ الماء، وما ذكرْناه للرِّواية الثانية يبْطُل بما إذَا كان الماءُ قَدْرًا يُجْزِىء في الطَّهارةِ فخلطَه بمائعٍ، ثم توضَّأ به، وبَقِىَ قَدْرُ المائعِ أو دونه، فإنَّه يجوزُ، مع (١٨) العلم بأن المُسْتَعمَلَ بعضُ الماءِ وبعضُ المائع، وكذلكَ الباقى، لاسْتِحالةِ انْفِرَادِ الماءِ عن المائع. واللهُ أعلم

فصل: ولا يُكْرَهُ الوضوءُ بالماءِ الْمُسَخَّنِ بطاهرٍ، إلَّا أنْ يكون حارًّا يمْنَعُ إسبْاغَ الوُضوءِ لحرارتهِ. وممَّن رُوِىَ عنه أنه رأى الوضوءَ بالماءِ المُسَخَّن عمرُ، وابنهُ، وابنُ عباس، وأنس، رضى اللَّه عنهم، وهو قولُ أهلِ الحِجَاز وأهلِ العراقِ جَميعهِم غيرَ مُجاهد (١٩) , ولا مَعْنى لقولهِ، فإنَّ زَيد بن أسْلَمَ رضى اللَّه عنه رَوَى (٢٠): أنَّ عمر


(١٨) في م: "من" خطأ.
(١٩) أبو الحجاج مجاهد بن جبر، مولى بنى مخزوم، من فقهاء التابعين بمكة، وكان أعلمهم بالتفسير، ذكر الذهبي أنه توفى سنة ثلاث ومائة. طبقات الفقهاء ٦٩، العبر ١/ ١٢٥.
(٢٠) أي: عن أبيه أسلم مولى عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>