للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِصْبَعِ. ذكره القاضي، وهو اختيارُ ابنِ حامدٍ، ومذهبُ الشافعىِّ؛ لأنَّه وَجَدَ بعضَ حَقِّه، فكان له اسْتِيفاءُ المَوْجُودِ، وأخْذُ بَدَلِ المفقودِ، كمَن أتْلَفَ مِثْلِيًّا لِرَجُلٍ، فوَجَدَ بعضَ المِثْلِ. وقال أبو بكر: يَتَخَيَّرُ (١٩) بين القِصاصِ ولا شىءَ له معه، وبين الدِّيَةِ. هذا قياسُ قولِه، وهو مذهبُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه لا يُجْمَعُ في عُضْوٍ واحدٍ بين قِصاصٍ ودِيَةٍ كالنَّفْسِ. وإن كان قَطْعُ اليَدِ سابقًا على قَطْعِ الإِصْبَعِ، قُطِعَتْ يَمِينُه قِصاصًا، ولصاحبِ الإِصْبَعِ أَرْشُها. ويفارِقُ هذا ما إذا قَتَلَ رَجُلًا، ثم قَطَعَ يَدَ آخرَ، حيثُ قَدَّمنا اسْتِيفاءَ القَطْعِ مع تأَخُّرِه؛ لأنَّ قَطْعَ اليَدِ لا يَمْنَعُ التَّكافُؤَ في النَّفْسِ، بدليل أنَّا نأْخُذُ كاملَ الأطْرافِ بناقِصِها، وأنَّ دِيَتَهُما واحدةٌ، ونَقْصُ الإِصْبَعِ يَمْنَعُ التَّكافُؤَ في اليَدِ، بدليل أنَّا لا نأخُذُ الكامِلةَ بالناقصةِ، واختلافِ دِيَتِهما، وإن عَفَا صاحبُ اليَدِ، قُطِعَتِ الإِصْبَعُ لصاحِبِها، إن (٢٠) اخْتارَ قَطَعَها.

١٤٤١ - مسألة؛ قال: (وإذَا جَرَحَه جُرْحًا يُمْكِنُ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ بِلَا حَيْفٍ، اقْتُصَّ مِنْهُ)

وجملةُ ذلك أنَّ القِصاصَ يَجْرِى فيما دُونَ النَّفْسِ من الجُرُوحِ، إذا أمْكَنَ؛ للنَّصِّ والإِجماعِ؛ أمَّا النَّصُّ فقولُ اللَّه تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (١). ورَوَى أنسُ بن مالكٍ، أنَّ الرُّبَيِّعَ بنتَ النَّضرِ بن أنسٍ، كَسَرَتْ ثَنِيّةَ جاريةٍ، فعَرَضُوا عليهم الأرْشَ، فأبَوْا إلَّا القِصاصَ، فجاء أخُوها أنَسُ بنُ النَّضْرِ فقال: يا رَسُولَ اللَّه تُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ! والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لا تُكْسَرُ ثنيَّتُها. فقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَا أنَسُ، كِتَابُ اللهِ الْقِصَاصُ". قال: فعَفَا القَوْمُ، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى


(١٩) في م: "يخير".
(٢٠) في الأصل، م: "وإن".
(١) سورة المائدة ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>