للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغُسْلُ بكُلِّ حالٍ. وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ الاعْتِبارَ بخُرُوجِهِ كَسَائِرِ الأَحْدَاثِ. وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ: لا غُسْلَ عليه. روايةً واحدةً؛ لأَنَّه جَنَابَةٌ واحِدَةٌ، فلم يَجِبْ به غُسْلانِ، كما لو خَرَجَ دَفْعةً واحِدةً. والصَّحِيحُ الأوَّلُ (١٨) لأنَّ الخُرُوجَ يَصْلُحُ مُوجِبًا للغُسْلِ، وما ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بما إذا جَامعَ فلم يُنْزِلْ، فاغْتسلَ، ثم أنْزَلَ، فإنَّ أحمدَ قد نَصَّ على وُجُوبِ الغُسْلِ عليه بالإِنْزَالِ مع وُجُوبِهِ بالْتِقَاءِ الخِتَانَيْنِ.

فصل: إذَا رَأَى أنَّهُ قد احْتَلَمَ، ولم يَجِدْ مَنِيًّا، فلا غُسْلَ عليهِ. قال ابنُ المُنْذِر: أَجْمَعَ على هذا كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عنه مِنْ أَهْلِ العِلْمِ. لكِن إنْ مَشَى فَخَرَجَ منه المَنِىُّ، أو خَرَجَ بعدَ اسْتِيْقَاظِه، فعليه الغُسْلُ. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّه كان انْتَقَلَ، وتَخَلَّفَ خُرُوجُهُ إلَى ما بعدَ الاسْتِيْقَاظِ. وإنِ انْتَبَهَ فَرَأَى مَنِيًّا، ولم يَذْكُر احْتِلامًا، فعليهِ الغُسْلُ. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا أيضًا. ورُوِىَ نحوُ ذلِك عَنْ عُمَرَ، وعُثْمانَ، وبه قال ابنُ عَبَّاسٍ، وعَطَاء، وسَعِيدُ بنُ جُبَيْر، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وقَتَادَةُ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وإسْحَاقُ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ خُرُوجَهُ كان لاحْتِلَامٍ نَسِيَهُ. ورُوِىَ عن عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه صَلَّى الفَجْرَ بالمسلمين، ثم خَرَجَ إلى الجُرْفِ (١٩) فَرَأَى في ثَوْبِه احْتِلَامًا، فقال: ما أُرانِى إلَّا قد احْتَلَمْتُ، فاغْتَسَلَ، وغَسَلَ ثَوْبَه، وصَلَّى (٢٠). ورُوِىَ نَحْوُه عن عثمانَ، ورَوَتْ عائِشَةُ، رَضِىَ اللَّه عنها، قالت: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الرَّجُلِ يَجِدُ البَلَلَ ولا يَذْكُرُ احْتِلَامًا؟ قال: "يَغْتَسِلُ". وعن الرَّجُلِ يَرَى أنَّه قد احْتَلَمَ، ولا يَجِدُ بَلَلًا، فقالَ: "لَا غُسْلَ عَلَيْه". رَوَاهُ أبُو دَاوُد، وابنُ مَاجَه (٢١). ورَوَتْ أُمُّ سَلَمة، أنَّ أُمَّ


(١٨) في م: "أنه لا يجب الغسل".
(١٩) الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام، به كانت أموال لعمر بن الخطاب ولأهل المدينة. معجم البلدان ٢/ ٦٢.
(٢٠) أخرجه البيهقي، في: باب الرجل يجد في ثوبه منيا ولا يذكر احتلاما، من كتاب الطهارة. سنن البيهقي ١/ ١٧٠.
(٢١) أخرجه أبو داود، في: باب الرجل يجد البلة في منامه، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٥٤. وابن =

<<  <  ج: ص:  >  >>