للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّوِيقِ فإنْ كان قُوتُه غيرَ ذلك من الحُبُوبِ، كالدُّخْنِ، والذُّرَةِ، والأُرْزِ، ففيه وَجْهانِ؛ أحَدُهما، لا يُجْزِئُ. ذَكَرَهُ القاضى؛ لأنَّه لا يُجْزِئُ فى الفِطْرَةِ. والثانى، يُجْزِئُ. اخْتَارَهُ أبو الخَطَّابِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}، ولأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمَرَ بالإطْعَامِ مُطْلَقًا، ولم يَرِدْ تَقْيِيدُه بِشىءٍ من الأجْناسِ، فَوَجَبَ إبْقاؤُهُ على إطْلاقِه، ولأنَّه أطْعَمَ المِسْكِينَ مِن طَعامِه، فأجْزَأَهُ، كما لو كان طَعامُه بُرًّا فأطعَمَه منه، وهذا أظْهَرُ.

فصل: وإن عَجَزَ عن العِتْقِ والصِّيامِ والإطْعامِ، سَقَطَتِ الكَفَّارَةُ عنه، فى إحْدَى الرِّوايَتَيْنِ، بِدَلِيلِ أنَّ الْأَعْرَابِىَّ لمَّا دَفَعَ إليه النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التَّمْرَ، وأخْبَرَهُ بحاجَتِه إليه، وقال: "أَطْعِمْهُ أهْلَكَ". ولم يَأْمُرْه بِكَفَّارَةٍ أخرى. وهذا قولُ الأوْزاعِىِّ. وقال الزُّهْرِىُّ: لا بُدَّ من التَّكْفِيرِ، وهذا خَاصٌّ لذلك الأعْرابِىِّ، لا يَتَعَدَّاهُ، بِدَلِيلِ أنَّه أخْبَرَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإعْسارِه قبلَ أن يَدْفَعَ إليه العَرَقَ، ولم يُسْقِطها عنه، ولأنَّها كَفَّارَةٌ وَاجِبَةٌ، فلم تَسْقُطْ بالعَجْزِ عنها، كسَائِرِ الكَفَّاراتِ. وهذا رِوَايةٌ ثانية عن أحمدَ، وهو قياسُ قَوْلِ أبى حنيفةَ، والثَّوْرِىِّ، وأبى ثَوْرٍ. وعن الشَّافِعِىِّ كالمَذْهَبَيْنِ. ولَنا، الحَدِيثُ المَذْكُورُ، وَدَعْوَى التَّخْصِيصِ لا تُسْمَعُ بغيرِ دَلِيلٍ. وقَوْلُهم: إنَّه أخْبَرَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَجْزِه فلم يُسْقِطْها. قُلْنَا: قد أسْقَطَها عنه بعدَ ذلك، وهذا آخِرُ الأمْرَيْنِ مِن رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا يَصِحُّ القِياسُ على سائِرِ الكَفَّارَاتِ؛ لأنَّه اطِّرَاحٌ لِلنَّصِّ بالقِيَاسِ، والنَّصُّ أوْلَى، والاعْتِبارُ بِالعَجْزِ فى حَالَةِ الوُجُوبِ، وهى حالَةُ الوَطْءِ.

٤٩٧ - مسألة؛ قال: (وَإنْ جَامَعَ، فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى جَامَعَ ثانِيَةً، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ)

وجُمْلَتُه أنَّه إذا جامَعَ ثانِيًا قبلَ التَّكْفِيرِ عن الأوَّلِ، لم يَخْلُ مِن أن يكونَ فى يَوْمٍ واحِدٍ، أو فى يَوْمَيْنِ، فإنْ كان فى يَوْمٍ واحِدٍ، فكَفَّارَةٌ واحِدَةٌ تُجْزِئه، بغيرِ خِلافٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>