للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: فإن شهدَ الرَّجلُ بذلك، فقال أبو الخَطَّابِ: تُقْبَلُ شَهادتُه وَحْدَه؛ لأنَّه أكْملُ مِن المرأةِ، فإذا اكْتُفِىَ بها وحدَها، فَلَأنْ يُكْتَفَى به أوْلَى، ولأنَّ ما قُبِلَ فيه قولُ المرأةِ الواحدةِ، قُبلَ فيه قولُ الرجلِ، كالرِّوايةِ.

١٨٨٦ - مسألة؛ قال: (وَمَنْ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ، فَعَلَيْهِ أنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، لَا يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ عَنْ إقَامَتِهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ)

وجملتُه أنَّ أداءَ الشَّهادةِ مِن فُروضِ الكِفاياتِ، فإن تعيَّنَتْ عليه، بأنْ لا يَتحمَّلَها من يَكْفِى فيها سِواهُ، لَزِمَه القيامُ بها. وإن قامَ بها اثنانِ غيرُه، سقطَ عنه أداؤُها. إذا قبلَها الحاكمُ، فإن كان تَحمَّلَها جماعةٌ، فأداؤُها واجِبٌ على الكُلِّ، إذا امْتَنعوا أثِمُوا كلُّهم، كسائرِ فُروضِ الكِفاياتِ. ودليلُ وُجوبِها قولُ اللهِ تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (١). وقولُه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} (٢). وفى الآيةِ الأُخْرَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (٣). ولأنَّ الشَّهادةَ أمانةٌ، فلزِمَه أداؤُها عندَ طَلَبِه، كالوَديعةِ، ولقولِه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (٤). فإن عجَزَ عن إقامَتِها، أو تَضرَّرَ بها، لم تجبْ عليه؛ لقولِ اللهِ تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} (٥).

فصل: ومَن له كِفايةٌ، فليس له أخذُ الجُعْلِ على الشَّهادةِ؛ لأنَّه أداءُ فرضٍ، فإنَّ فَرْضَ الكِفايةِ إذا قامَ به البَعضُ وقعَ منهم فرضًا. وإن لم تكُنْ له كِفايةٌ، ولا


(١) سورة البقرة ٢٨٣.
(٢) سورة النساء ١٣٥.
(٣) سورة المائدة ٨.
(٤) سورة النساء ٥٨.
(٥) سورة البقرة ٢٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>