للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} (٢). أي: لا تُعْرِضْ عنهم بوَجْهِكَ تَكَبُّرًا، كإمالةِ وَجْهِ البعيرِ الذي به الصَّعَرُ، فمنْ جَنَى على إنسانِ جنايةً، فعوَّجَ عُنُقَه، حتى صارَ وَجْهُه (٣) في جانبٍ، فعليه دِيَةٌ كاملةٌ. رُوِيَ ذلك عن زيدِ بنِ ثابتٍ (٤). وقال الشافعيُّ: ليس فيه إلَّا حُكومةٌ؛ لأنَّه إذْهابُ جَمالٍ من (٥) غيرِ مَنْفَعةٍ. ولَنا، ما رَوَى مَكْحُولٌ، عن زيدِ بنِ ثابتٍ، أنَّه قال: وفي الصَّعَرِ الدِّيَةُ. ولم يُعْرَفْ له في الصَّحابةِ مُخالِفٌ، فكان إجماعًا، ولأنَّه أذْهبَ الجمالَ والمَنْفَعةَ، فوجبتْ فيه دِيَةٌ كاملةٌ، كسائرِ المنافعِ. وقولُهم: لم يَذْهَبْ بمَنْفَعَتِه (٦). غيرُ صحيحٍ؛ فإنَّه لا يَقْدِرُ على النَّظَرِ أمامَه، واتِّقاءِ ما يَحْذَرُه إذا مَشَى، وإذا نابَه أمْرٌ، أو دَهَمَه عَدُوٌّ، لم يُمْكِنْه العِلْمُ به، ولا اتِّقاؤُه، ولا يُمْكِنُه لَيُّ عُنُقِه ليتَعَرَّفَ (٧) ما يُرِيدُ نَظَرَه، ويَتَعَرَّفَ ما يَنْفعُه [مِمَّا يَضُرُّه] (٨).

فصل: فإنْ جَنَى عليه، فصار الالْتِفاتُ عليه شاقًّا، أو ابْتِلاعُ الماءِ، أو غيرِه، ففيه حُكَومةٌ؛ لأنَّه لم يَذْهَبْ بالمَنْفَعةِ كلِّها، ولا يُمْكِنُ تَقْدِيرُها. وإن صار بحيثُ لا يُمْكِنُه ازْدِرادُ رِيقِه، فهذا لا يكادُ يَبْقَى، فإنْ بَقِيَ مع ذلك، ففيه الدِّيَةُ؛ لأنَّه تَفْويتُ مَنْفَعةٍ ليس لها مِثْلٌ في البَدَنِ.

١٥٠٢ - مسألة؛ قال: (وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ ثُلُثُ دِيَتِهَا، وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ، وَالسِّنُّ السَّوْدَاءُ)

اليَدُ الشَّلَّاءُ: التي ذهبَ منها مَنْفَعةُ البطْشِ. والعينُ القائمةُ: التي ذهبَ بصرُها


(٢) سورة لقمان ١٨.
(٣) في ب، م: "بوجهه".
(٤) أخرجه عبد الرزاق، في: باب الصَّعر، من كتاب العقول. المصنف ٩/ ٣٥٩. وابن أبي شيبة، في: باب إذا أصابه صَعَرٌ ما فيه، من كتاب الديات. المصنف ٩/ ١٧١.
(٥) في ب: "في".
(٦) في الأصل: "بمنفعة".
(٧) في ب، م: "ليعرف".
(٨) في ب، م: "ويضره".

<<  <  ج: ص:  >  >>