للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَوْلِه سَجْلًا من ماءٍ" (١٤). والأمْرُ يَقْتَضِى الوُجُوبَ، ولأنَّه مَحَلٌّ نَجِسٌ، فلم يَطْهُرْ بغيرِ الغَسْلِ، كالثِّيَابِ، وأمَّا حَدِيثُ ابنِ عمرَ، فرَوَاهُ البُخَارِيُّ (١٥)، وليس فيه ذِكْرُ البَوْلِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ أنَّها كانت تَبُولُ، ثم تُقْبِلُ وتُدْبِرُ في المَسْجِدِ، فيكونُ إقْبَالُها وإدْبارُها فيه بعد بَوْلِها.

فصل: ولا تَطْهُرُ النَّجاسةُ بالاسْتِحَالَةِ، فلو أُحْرِقَ السِّرْجِينُ (١٦) النَّجِسُ فصارَ رَمَادًا، أو وَقَعَ كَلْبٌ في مَلَّاحَةٍ فصَارَ مِلْحًا، لم تَطْهُرْ (١٧). لأنها نَجَاسَةٌ لم تَحْصُلْ بالاسْتِحَالَةِ. فلم تَطْهُرْ بها، كالدَّمِ إذا صارَ قَيْحًا أو صَدِيدًا، وخُرِّجَ عليه الخَمْرُ، فإنَّه نَجِسٌ بالاسْتِحَالَةِ، فجازَ أَنْ يَطْهُرَ بها.

فصل: والمُنْفَصِلُ من غُسَالَةِ النَّجاسةِ، يَنْقَسِمُ (١٨) ثلاثة أقْسامٍ: أحدُها، أن يَنْفَصِلَ مُتَغيِّرًا بها، فهو نَجِسٌ إجْماعًا؛ لأنَّه مُتَغَيِّرٌ بالنَّجاسةِ، فكان نَجِسًا، كما لو وَرَدَتْ عليه. الثَّانِي، أن يَنْفَصِلَ غيرَ مُتَغَيِّرٍ قبلَ طَهَارَةِ المَحَلِّ، فهو نَجِسٌ أيضًا؛ لأنَّه ماءٌ يَسِيرٌ لاقَى نَجَاسَةً لم يُطَهِّرْها، فكان نَجِسًا، كالمُتَغَيِّرِ، وكالباقِى في المَحَلِّ، فإنَّ الباقيَ في المَحَلِّ نَجِسٌ، وهو جُزْءٌ من الماءِ الذي غُسِلَتْ به النَّجَاسَةُ، ولأنَّه كان في المَحَلِّ نَجِسًا، وعَصْرُه لا يَجْعَلُه طَاهِرًا.

الثالث: المُنْفَصِلُ (١٩) غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ من الغَسْلَةِ التي طَهَّرَتِ المَحَلَّ، ففيه وَجْهانِ، أَصَحُّهُما أنَّه طَاهِرٌ. وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّه جُزْءٌ من المُتَّصِلِ، والمُتَّصِلُ


(١٤) تقدم في: ١/ ١٧، ١٨.
(١٥) في: باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، من كتاب الوضوء. صحيح البخاري ١/ ٥٤. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند ٢/ ٧١.
(١٦) السرجين: الزبل.
(١٧) ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن النجاسة تطهر بالاستحالة. انظر: الفتاوى ٢٠/ ٥٢٢، ٢١/ ٧٠ - ٧٢، ٤٨١، ٤٨٢، ٦١٠، ٦١١.
(١٨) في م زيادة: "إلى" خطأ.
(١٩) في م: "أن ينفصل".

<<  <  ج: ص:  >  >>