للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَقْدُ معه، ويَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِى الخِيَارُ. وذَهَبَ قَوْمٌ من أصْحابِنا إلى أنَّ البَيْعَ فاسِدٌ؛ لأنَّه مَنْهِىٌّ عنه، والنَّهْىُ يَقْتَضِى الفَسادَ.

فصل: وإنْ أخْبَرَه البائِعُ بِكَيْلِه، ثم باعَه بذلك الكَيْلِ، فالبَيْعُ صَحِيحٌ. فإنْ قَبَضَه بِاكْتِيالِه، تَمَّ البَيْعُ والقَبْضُ، وإنْ قَبَضَه بغير كَيْلٍ، كان بمَنْزِلَةِ قَبْضِه جُزافًا. فإنْ كان المَبِيعُ بَاقِيًا، كَالَه عليه، فإنْ كان قَدْرَ حَقِّه الذي أخْبَرَه به، فقد اسْتَوْفاه، وإنْ كان زائِدًا رَدَّ الفَضْلَ، وإنْ كان ناقِصًا أخذَ النَّقْصَ، وإن كان قد تَلِفَ، فالقولُ قولُ القابِضِ فى قَدْرِه مع يَمِينِه، سواءٌ كان النَّقْصُ قَلِيلًا أو كَثِيرًا؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ القَبْضِ، وبَقاءُ الحَقِّ، وليس لِلْمُشْتَرِى التَّصَرُّفُ فى الجَمِيعِ قَبل كَيْلِه؛ لأنَّ لِلْبَائِعِ فيه عُلْقَةً، فإنه لو زادَ كانت الزِّيادَةُ له، ولا يَتَصَرَّفُ فى أقَلَّ من حَقِّه، بغير كَيْلٍ؛ لأنَّ ذلك يَمْنَعُه من مَعْرِفَةِ كَيْلِه. وإنْ تَصَرَّفَ فيما يَتَحَقَّقُ أنَّه مُسْتَحَقٌّ له، مثل أنْ يكونَ حَقُّه قَفِيزًا، فتَصَرَّفَ في ذلك، أو فى أقَلَّ منه، بالكَيْلِ، ففيه وَجْهَانِ؛ أحدُهما، له ذلك، لأنَّه تَصَرَّفَ فى حَقِّه بعد قَبْضِه، فجازَ، كما لو كِيلَ له. والثانى، لا يجوزُ؛ لأنَّه لا يجوزُ له التَّصَرُّفُ [في الجَمِيعِ، فلم يَجُزْ له التَّصَرُّفُ] (٣) فى البَعْضِ، كما قبلَ القَبْضِ. وإن قَبَضَهُ بالوَزْنِ، فهو كما لو قَبَضَهُ جُزافًا. فأمَّا إن أعْلَمَهُ بِكَيْلِه، ثم باعَهُ إياه مُجازَفَةً، على أنَّه له بذلك الثَّمَنِ، سواءٌ كان زائِدًا أو ناقِصًا، لم يَجُزْ؛ لِمَا رَوَى الأَثْرَمُ بإسْنادِه، عن الحَكَمِ، قال: قَدِمَ طَعامٌ لِعُثْمانَ على عَهْدِ رَسُولِ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: "اذْهَبُوا بِنَا إلَى عُثْمَانَ، نُعِينُه على طَعَامِهِ". فقَامَ إلى جَنْبةٍ، فقال عُثْمانُ: فى هذِه الْغِرارَةِ (٤) كذا وكذا، وَابْتَعْتُها (٥) بكذا وكذا. فقال رسولُ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا سَمَّيْتَ الْكَيْلَ فَكِلْ" (٦). قال أحمدُ: إذا أخْبَرَهُ البائِعُ أنَّ


(٣) سقط من: الأصل.
(٤) الغرارة: وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه، جمعها غرائر.
(٥) فى الأصل: "وابتعها".
(٦) تقدم تخريجه في صفحة ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>