للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم في الصَّحابَةِ مُخالِفًا، فكان إجْماعًا، ولأنَّ الخبرَ يَدُلُّ على عُقوبَتَيْنِ في حَقِّ الثَّيِّبِ، وكذلك في حقِّ البِكْرِ، وما رَوَوْه عن عليٍّ لا يثْبُتُ؛ لضَعْفِ رَاوِيه (١٣) وإرْسالِه. وقولُ عمرَ: لا أُغَرِّبُ بعدَه مُسْلِمًا. فيَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ (١٤) تَغْرِيبه في الخمرِ الَّذِى أصابتِ الفِتْنةُ رَبِيعةَ فيه. وقولُ مالكٍ يُخالفُ عُمومَ الخبرِ والقياسِ؛ لأنَّ ما كان حدًّا في الرجلِ، يكونُ حَدًّا في المرأةِ، كسائرِ الحُدودِ. وقولُ مالكٍ فيما يقعُ لي، أصَحُّ الأقوالِ وأعْدَلُها، وعمومُ الْخَبرِ مَخْصوصٌ بخبرِ النَّهْىِ عن سفرِ المرأةِ بغيرِ مَحْرَمٍ، والقياسُ على سائرِ الحُدودِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يَسْتَوِى الرجلُ والمرأةُ في الضَّررِ الحاصلِ [بها، بخلافِ] (١٥) هذا الحَدِّ، ويُمْكِنُ قَلْبُ هذا القياسِ، بأنَّه حَدٌّ، فلا تُزادُ فيه المرأةُ على ما على الرجلِ، كسائرِ الحُدودِ.

فصل: ويُغَرَّبُ البِكْرُ الزَّانِي حَوْلًا كَامِلًا، فإن عادَ قبلَ مُضِىِّ الحَوْلِ، أُعِيدَ تَغْرِيبُه، حتى يُكْمِلَ الحَوْلَ مُسافِرًا، ويَبْنِى على ما مَضَى. ويُغَرَّبُ الرجلُ إلى مَسافةِ القَصْرِ؛ لأنَّ ما دونَها في حُكمِ الحَضَرِ، بدليل أنَّه لا يثْبُتُ في حَقِّه أحكامُ المُسافِرين، ولا يسْتبيحُ شيئًا من رُخَصِهِم. فأمَّا المرأةُ، فإن خرَجَ معها مَحْرَمُها، نُفِيَتْ إلى مَسافةِ القَصْرِ، وإن لم يَخْرُجْ معها مَحْرَمُها، فقد نُقِلَ عن أحمدَ، أنَّها تُغَرَّبُ إلى مسافةِ القَصْرِ، كالرجلِ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىّ. ورُوِىَ عن أحمدَ، أنَّها تُغَرَّبُ إلى دُونِ مَسافةِ القَصْرِ؛ لتَقْرُبَ من أهلِها، فيحفظُوهَا. ويَحْتَملُ كلامُ أحمدَ (١٦) أنْ لا يُشْتَرَطَ في التَّغْريبِ مَسافةُ القَصْرِ، فإنَّه قال، في روايةِ الأَثْرَمِ: يُنْفَى من عملِه إلى عملٍ غيرِه. وقال أبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ: لو نُفِىَ إلى قريةٍ أُخْرَى، بينهما مِيلٌ أو أقَلُّ، جازَ. وقال إسحاقُ: يجوزُ أن يُنْفَى من مصرٍ إلى مصرٍ. ونحوَه قال ابنُ أبي ليلى؛ لأنَّ النَفْىَ وردَ مُطْلَقًا غيرَ مُقَيَّدٍ،


(١٣) في ب، م: "رواته".
(١٤) سقط من: م.
(١٥) في ب: "خلاف".
(١٦) في ب: "الخرقى".

<<  <  ج: ص:  >  >>