للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكْثَرُ من العُقوبةِ المذْكورةِ فيه، وإيجابُ التَّغْريبِ على المرأةِ يَلْزَمُ منه الزِّيادةُ على ذلك، وفَواتُ حِكْمَتِه؛ لأنَّ الحَدَّ وجبَ زَجْرًا عن الزِّنَى، وفى تَغْرِيبِها إغْراءٌ به، وتَمْكينٌ منه، مع أنَّه قد يُخصَّصُ في حَقِّ اْلثَّيِّبِ بإسْقاطِ الجَلْدِ، في قولِ الأكْثَرِين، فتَخْصِيصُه ههُنا أوْلَى. وقال أبو حنيفةَ، ومحمد بن الحسن: لا يجبُ التَّغْرِيبُ؛ لأنَّ عليًّا، رَضِىَ اللهُ عنه، قال: حَسْبُهما من الفِتْنةِ أن يُنْفَيَا (٧). وعن ابنِ المُسَيَّب، أنَّ عمرَ غَرَّبَ رَبِيعةَ بنَ أُمَيَّةَ بنِ خَلفٍ في الخمرِ إلى خَيْبرَ، فلَحِقَ بهِرَقْلَ فتَنصَّرَ، فقال عمرُ: لا أُغَرِّبُ مسلمًا بعدَ هذا أبدًا (٨). ولأنَّ اللهَ تعالى أمرَ بالجَلْدِ (٩) دُونَ التَّغْرِيبِ، فإيجابُ التَّغْرِيبِ زيادةٌ على النَّصِّ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البِكْرُ بالبِكْرِ، جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ" (١٠). ورَوَى أبو هُرَيْرةَ، وزيدُ بنُ خالدٍ، أنَّ رَجلَيْنِ اخْتَصَما إلى رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال أحدُهما: إنَّ ابنى كان عَسِيفًا على هذا، فزَنَى بامْرأتِه، وإنَّنى افْتَدَيْتُ منه بمائةِ شاةٍ ووَلِيدةٍ، فسألتُ رجالًا من أهلِ العلم، فقالوا: إنَّما على ابْنِكَ جلدُ مائةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ، والرَّجْمُ على امرأةِ هذا. فقالَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بكِتَابِ اللهِ [عَزَّ وَجَلَّ] (١١)، عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْرِيبُ عَامٍ". وجَلَدَ ابْنَه مِائَةً، وغَرَّبَه عامًا، وأمرَ أُنَيْسًا الأسْلَمِىَّ أن يأتىَ امرأةَ الآخَرِ، فإن اعْتَرفتْ رَجَمَها، فاعترفَتْ، فرجَمَها. مُتَّفَقٌ عليه (١٢). وفى الحديثِ، أنَّه قال: فَسَألتُ رجالًا من أهلِ العلم، فقالُوا: إنَّما على ابنِكَ جلدُ مائةٍ وتَغْريبُ عامٍ وهذا يدلُّ على أنَّ هذا كان مشهورًا عندَهم، من حُكْمِ اللهِ تعالى، وقضاءِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقد قِيل: إنَّ الذي قال له هذا هو أبو بكرٍ وعمرُ، رَضِىَ اللهُ عنهما. ولأنَّ التَّغْريبَ فَعَلَه الخلفاءُ الرَّاشِدونَ، ولا نعْرِفُ


(٧) أخرجه عبد الرزاق، في: باب النفى، من كتاب الطلاق. المصنف ٧/ ٣١٥.
(٨) أخرجه عبد الرزاق، في الباب السابق، صفحة ٣١٤، ٣١٥.
(٩) في الأصل: "بالحد".
(١٠) تقدم تخريجه، في صفحة ٣٠٨.
(١١) سقط من: الأصل، ب.
(١٢) تقدم تخريجه، في صفحة ٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>