للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما لو بَلَعَ غيرَه. فإن قِيلَ: فقد رَوَتْ عائشةُ، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يُقَبِّلُها وهو صَائِمٌ، ويَمُصُّ لِسَانَها. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (٢٧). قلنا: قد رُوِىَ عن أبِى دَاوُدَ أنَّه قال: هذا إسْنَادٌ ليس بِصَحِيحٍ. ويجوزُ [أن يكونَ] (٢٨) يُقَبِّلُ في الصَّوْمِ، ويَمُصُّ لِسَانَها في غيرِه. ويجوزُ أن يَمُصَّهُ، ثم لا يَبْتَلِعُهُ، ولأنَّه لم يَتَحَقَّق انْفِصَالُ ما على لِسَانِها من البَلَلِ إلي فَمِهِ، فأشْبَهَ ما لو تَرَكَ حَصَاةً مَبْلُولَةً في فِيهِ، أو لو تَمَضْمَضَ بماءٍ ثم مَجَّهُ. ولو تَرَكَ في فَمِهِ حَصَاةً أو دِرْهَمًا، فأخْرَجَهُ وعليه بَلَّةٌ من الرِّيقِ، ثم أعَادَهُ في فِيهِ، نَظَرْتَ؛ فإن كان ما عَلَيْهِ من الرِّيقِ كَثِيرًا فَابْتَلَعَه أفْطَرَ، وإن كان يَسِيرًا لم يُفْطِرْ بِابْتِلَاعِ رِيقِه. وقال بعضُ أصْحابِنَا: يُفْطِرُ لِابْتِلَاعِه ذلك البَلَلَ الذى كان على الجِسْمِ. ولَنا، أنَّه لا يَتَحَقَّقُ انْفِصَالُ ذلك البَلَلِ، ودُخُولُه إلى حَلْقِه، فلا يُفَطِّرُه، كالمَضْمَضَةِ والتَّسَوُّكِ بالسِّوَاكِ الرَّطْبِ وَالمَبْلُولِ. ويُقَوِّى ذلك، حديثُ عائشةَ في مَصِّ لِسَانِها. ولو أَخْرَجَ لِسَانَه وعليه بَلَّةٌ، ثم عادَ فأدْخَلَهُ وَابْتلَعَ رِيقَهُ، لم يُفْطِرْ.

فصل: وإن ابْتَلَعَ النُّخَامَةَ ففيها رِوايَتَانِ، إحْدَاهُما، يُفْطِرُ. قال حَنْبَلٌ: سمعتُ أبا عبدِ اللهِ يَقُولُ: إذا تَنَخَّمَ، ثم ازْدَرَدَهُ، فقد أفْطَرَ. لأنَّ النُّخَامَةَ من الرَّأْسِ تَنْزِلُ، والرِّيقَ من الفَمِ. ولو تَنَخَّعَ من جَوْفِه، ثم ازْدَرَدَهُ، أفْطَرَ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّه أمْكَنَ التَّحَرُّزُ منها، أشْبَهَ الدَّمَ، ولأنَّها من غيرِ الفَمِ، أشْبَهَ القَىْءَ. والرِّوَايَةُ الثانيةُ، لا يُفْطِرُ. قال، في رِوَايَةِ المَرُّوذِىِّ: ليس عليك قَضَاءٌ إذا ابْتَلَعْتَ النُّخَامَةَ وأنْتَ صَائِمٌ. لأنَّه مُعْتَادٌ في الفَمِ، غيرُ وَاصِلٍ من خَارِجٍ، أشْبَهَ الرِّيقَ.

فصل: فإن سَالَ فَمُه دَمًا، أو خَرَجَ إليه قَلْسٌ (٢٩) أو قَىْءٌ، فَازْدَرَدَهُ أفْطرَ،


(٢٧) في: باب الصائم يبلع الريق، من كتاب الصيام. سنن أبي داود ١/ ٥٥٦. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند ٦/ ١٢٣، ٢٣٤.
(٢٨) في م: "أنه كان".
(٢٩) القلس: ما خرج من البطن إلى الفم وليس بقيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>