للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٣٩ - مسألة؛ قال: (ومَنْ وَجَدَ لُقَطَةً، عَرَّفَها سَنَةً في الأسْواقِ، وأبْوابِ الْمَسَاجِدِ)

وجُمْلَتُه أنَّ في التَّعْرِيفِ سِتَّةَ فُصُولٍ؛ في وُجُوبِه، وقَدْرِه، وزَمَانِه، ومَكَانِه، وكَيْفيَّتِه، ومن يَتَوَلَّاهُ. أمَّا وُجُوبُه، فإنَّه واجِبٌ على كلِّ مُلْتَقِطٍ، سواءٌ أرادَ تَمَلُّكَها أو حِفْظَها لِصَاحِبِها. وقال الشافِعِيُّ: لا تَجِبُ على من أرَادَ حِفْظَها لِصَاحِبِها. ولَنا، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَ به زَيْدَ بن خالِدٍ (١)، وأُبَيَّ بن كَعْبٍ (٢)، ولم يُفَرِّقْ، ولأنَّ حِفْظَها لِصَاحِبِها إنَّما يُقَيَّدُ بإيصَالِها إليه. وطَريقُه التَّعْريفُ (٣)، أما بَقَاؤُها في يَدِ المُلْتَقِطِ من غيرِ وُصُولِها إلى صاحِبِها، فهو وهَلَاكُها سِيَّان، ولأنَّ إمْساكَها من غيرِ تَعْرِيفٍ، تَضْيِيعٌ لها عن صاحِبِها، فلم يَجُزْ، كَرَدِّها إلى مَوْضِعِها، أو إلْقائِها في غيرِه، ولأنَّه لو لم يَجِب التَّعْرِيفُ، لما جازَ الالْتِقَاطُ؛ لأنَّ بَقَاءَها في مَكانِها إذًا أقْرَبُ إلى وُصُولِها إلى صَاحِبِها، إمَّا بأن يَطْلُبَها في المَوْضِعِ الذي ضاعَتْ فيه فيَجِدَها، وإمَّا بأن يَجِدَها مَن يَعْرِفُها، وأَخْذُ هذا (٤) لها يُفَوِّتُ الأمْرَيْنِ، فيَحْرُمُ، فلما جازَ الالْتِقاطُ وَجَبَ التَّعْرِيفُ، كيلا يَحْصُلَ هذا الضَّرَرُ. ولأنَّ التَّعْرِيفَ واجِبٌ على مَن أرادَ تَمَلُّكَهَا، فكذلك على مَن أرادَ حِفْظَها، فإنَّ التَّملُّكَ (٥) غيرُ واجِبٍ، فلا تَجِبُ الوَسِيلَةُ إليه، فيَلْزَمُ أن يكونَ الوُجُوبُ في المَحَلِّ المُتَّفَقِ عليه، لِصِيَانَتِها عن الضَّيَاعِ عن صَاحِبِها، وهذا مَوْجُودٌ في مَحَلِّ النِّزَاعِ.


(١) تقدم تخريج حديثه في صفحة ٢٩٠.
(٢) أخرجه البخاري، في: باب وإذا أخبر رب اللقطة بالعلامة دفع إليه، وباب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع. . . من كتاب اللقطة. صحيح البخاري ٣/ ١٦٢، ١٦٦. ومسلم، في: كتاب اللقطة. صحيح مسلم ٣/ ١٣٥٠، ١٣٥١. وأبو داود، في: كتاب اللقطة. سنن أبي داود ١/ ٣٩٥. والترمذي، في: باب ما جاء في اللقطة وضالة الإِبل والغنم، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى ٦/ ١٤١. وابن ماجه، في: باب اللقطة, من كتاب اللقطة. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٣٨. والإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ١٢٦، ١٢٧، ١٤٣.
(٣) في م: "العريف".
(٤) في أ، ب، م: "وأخذه".
(٥) في م: "التمليك".

<<  <  ج: ص:  >  >>