للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبو عُبَيْدٍ. والأصْلُ في العِفَاصِ أنَّه الجِلْدُ الذي يُلْبِسُه رَأْسَ القارُورَةِ. قوله: "مَعَهَا حِذَاءَها". يَعْنِى خُفَّها، فإنَّه لِقُوَّتِه وصَلَابَتِه يَجْرِى مَجْرَى الحِذَاءِ. وسِقَاؤُها: بَطْنُها؛ لأنَّها تَأْخُذُ فيه ماء كثِيرًا، فيَبْقَى معها يَمْنَعُها العَطَشَ. والضَّالَّةُ: اسْمٌ للحَيَوانِ (٣) خاصّةً، دُونَ سائِر اللُّقَطَةِ، والجَمْعُ ضَوَالُّ، ويقال لها أيضًا: الهَوَامِى والهَوَافِى والهَوَامِلُ.

فصل: قال إمامُنا، رَحِمَهُ اللهُ: الأفْضَلُ تَرْكُ الالتِقَاطِ. ورُوِى مَعْنَى ذلك عن ابن عَبَّاسٍ، وابنِ عُمرَ. وبه قال جابِرُ بنُ زَيْدٍ، والرَّبِيعُ بن خُثَيْمٍ (٤)، وعَطَاءٌ. ومَرَّ شُرَيْحٌ بِدِرْهَمٍ، فلم يَعْرِضْ له. واخْتارَ أبو الخَطّابِ أنَّه (٥) إذا وَجَدَها بِمَضْيَعَةٍ، وأمِنَ نَفْسَه عليها، فالأفْضَلُ أخْذُها. وهذا قول الشافِعِيِّ. وحُكِىَ عنه قولٌ آخَر، أنَّه يَجِبُ أخْذُها؛ لقولِ اللَّه تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (٦). فإذا كان وَلِيَّه، وَجَبَ عليه حِفْظُ مالِه. وممَّن رَأَى أخْذَها سَعِيدُ بن المُسَيَّبِ، والحَسَنُ بن صالِحٍ، وأبو حنيفَةَ. وأخَذَها أُبَيُّ بن كَعْبٍ، وسُوَيْدُ بن غَفَلَةَ. وقال مالِكٌ: إن كان شيئا له بالٌ، يَأْخُذُه أحَبُّ إليَّ، ويُعَرِّفُه؛ لأنَّ فيه حِفْظَ مالِ المُسْلِمِ عليه، فكان أَوْلَى من تَضْيِيعِه، وتَخْلِيصِه من الغَرَقِ. ولَنا، قول ابن عُمَرَ، وابن عَبّاسٍ، ولا نَعْرِفُ لهما مُخَالِفًا في الصَّحَابةِ، ولأنَّه تَعْرِيضٌ لِنَفْسِه لأكْلِ الحَرَامِ، وتَضْيِيعِ الواجِبِ من تَعْرِيفِها، وأدَاءِ الأمَانةِ فيها، فكان تَرْكُه أَوْلَى وأسْلَمَ، كوِلَايةِ مالِ اليَتِيمِ، وتَخْلِيلِ الخَمْرِ، وما ذَكَرُوه يَبْطُلُ بالضَّوَالِّ، فإنَّه لا يجوزُ أخْذُها مع ما ذَكَرُوه، وكذلك وِلَايَةُ مالِ الأيْتامِ.


(٣) في م: "الحيوان".
(٤) في النسخ: "خيثم". وهو الربيع بن خثيم بن عبد اللَّه الثوري الكوفى، توفى بعد قتل الحسين سنة ثلاث وستين. تهذيب التهذيب ٣/ ٢٤٢.
(٥) سقط من: م.
(٦) سورة التوبة ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>