للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا دَلالةِ حالٍ، ولا نَعلمُ خلافًا فى: أنت حُرَّةٌ، أنَّه كنايةٌ. فأمَّا إذا لطمَها، وقال: هذا طلاقُك. فإن كثيرًا مِنَ الفُقَهاءِ قالوا: ليس هذا كنايةً، ولا يَقعُ به طلاقٌ، وإن نَوَى؛ لأنَّ هذا لا يُؤدِّى معنى الطَّلاقِ، ولا هو سببٌ له، ولا حُكمٌ فيه (١)، فلم يَصحَّ التَّعبيرُ به عنه، كقوله: غفرَ اللَّهُ لك. وقال ابنُ حامدٍ: يَقعُ به الطَّلاقُ مِن غيرِ نِيَّةٍ؛ لأنَّ تقْديرَه: أوقعتُ عليك طلاقًا، هذا الضَّربُ من أجْلِه، فعلَى قوله يَكونُ هذا صريحًا. وقولُ الخِرَقِىِّ مُحتمِلٌ لهذا أيضًا، ويَحْتمِلُ أنَّه إنَّما يُوقِعُه إذا كان فى حالِ الغضَبِ، فيَكونُ الغضبُ قائمًا مَقامَ النِّيَّةِ، كما قامَ مَقامَها فى قوله: أنتِ حُرَّةٌ. ويَحْتمِلُ أن يكونَ لَطْمُه لها قَرِينةً تَقومُ مَقامَ النِّيَّةِ؛ لأنَّه يَصْدُرُ عن الغضبِ، فجرى مَجْراه. والصَّحيحُ أنَّه كنايةٌ فى الطَّلاقِ؛ لأنَّه مُحْتمِلٌ (٢) بالتَّقْديرِ الذى ذكَرَه ابنُ حامدٍ، ويَحْتمِلُ أن يُريدَ أنَّه سببٌ لطلاقِك، لكَوْنِ الطَّلاقِ مُعلَّقًا عليه، فصَحَّ أن يُعبِّرَ به عنه، وليس بصَريحٍ؛ لأنَّه احْتاجَ إلى تقديرٍ، ولو كان صريحًا لم يَحْتَجْ إلى ذلك، ولأنَّه غيرُ موضوعٍ له، ولا مُسْتَعْمَلٌ فيه شرعًا، ولا عُرفًا، فأشبهَ سائرَ الكناياتِ. وعلى قياسِه ما لو أطْعمَها، أو سَقاها، أو كَساها، وقال: هذا طلاقُك. أو لو فَعلتِ المرأةُ فِعلًا مِن قيامٍ، أو قعودٍ، أو فَعلَ هو فِعلًا، وقال: هذا طلاقُك. فهو مثلُ لَطْمِها، إلَّا فى أَنَّ اللَّطْمَ يَدلُّ على الغضبِ القائمِ مَقامَ النِّيَّةِ، فيكونُ هو أيضًا قائمًا مَقامَها فى وَجْهٍ، وما ذكَرُوه (٣) لا يَقومُ مَقامَ النِّيَّةِ عندَ مَن اعتبَرَها.

الفصلُ الثَّانى: أنَّه إذا أتى بالكنايةِ فى حالِ الغضَبِ، [من غَيرِ نِيَّةٍ] (٤)، فذكر الخِرَقِىُّ فى هذا الموضعِ أنَّه يَقعُ الطَّلاقُ. وذكرَ القاضى، وأبو بكرٍ، وأبو الخطَّابِ فى ذلك رِوَايتيْنِ؛ إحْداهما، يَقعُ الطَّلاقُ. قال فى روايةِ المَيْمُونىِّ: إذا قال لزوجتِه: أنتِ


(١) سقط من: أ، ب، م.
(٢) فى أ: "يحتمل".
(٣) فى أ: "ذكرناه". وفى ب، م: "ذكرنا".
(٤) سقط من: أ، ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>