للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُرَّةٌ لوجهِ اللَّهِ. فى الرِّضَى، لا فى الغضبِ، فأخْشَى أن يَكونَ طلاقًا. والرِّوايةُ الأُخْرَى، ليس بطلاقٍ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، والشَّافعىِّ، إلَّا أَنَّ أبا حنيفةَ يَقولُ فى: اعتَدِّى، واخْتارِى، وأمْرُك بيدك. كَقْولِنا فى الوقُوعِ. واحْتجَّا بأنَّ هذا ليس بصريحٍ فى الطَّلاقِ، ولم يَنْوِه (٥) به، فلم يَقَعْ به الطَّلاقُ، كحالِ الرِّضَى، ولأنَّ مُقْتضَى اللَّفظِ لا يَتغيَّرُ بالرِّضَى والغضبِ. ويَحْتَمِلُ أَنَّ ما كان مِن الكناياتِ لا يُسْتعمَلُ فى غيرِ الفُرْقةِ إلَّا نادرًا، نحو توله: أنتِ حُرّةٌ لوجهِ اللَّهِ. واعتَدِّى. واستَبْرِق. وحَبْلُك على غاربِك. وأنت بائنٌ. وأشباهِ ذلك، أنَّه يَقعُ فى حالِ الغضَبِ. وجوابُ سؤالِ الطَّلاقِ مِن غيرِ نِيَّةٍ، وما كَثُرَ استعمالُه لغيرِ ذلك، نحو: اذْهَبِى. واخْرُجى. ورُوحِى. وتَقَنَّعِى. لا يَقعُ الطَّلاقُ به إلَّا بِنِيَّةٍ. ومذهبُ أبى حنيفةَ قريبٌ من هذا. وكلامُ أحمدَ، والخِرَقِىِّ فى الوقوعِ، إنَّما وردَ فى قوله: أنتِ حُرّةٌ. وهو ممَّا لا يَسْتعمِلُه الإنْسانُ فى حقِّ زوجتِه غالبًا إلَّا كنايةً عن الطَّلاقِ، ولا يَلْزمُ مِنَ الاكتفاءِ بذلك بمُجرَّدِ الغضَبِ وُقوعُ غيرِه من غيرِ نِيَّةٍ؛ لأنَّ ما كَثُرَ استعمالُه يُوجَدُ كثيرًا غيرَ مُرادٍ به الطَّلاقُ فى حالِ الرِّضَى، فكذلك فى حالِ الغضَبِ، إذْ لا حَجْرَ (٦) عليه فى اسْتعمالِه، والتَّكلُّمِ به، بخلافِ ما لم تَجْرِ العادةُ بذكْرِه، فإنَّه لمَّا قلَّ اسْتعمالُه فى غيرِ الطَّلاقِ، كان مُجرد ذكْرِه يُظَنُّ منه إرادةُ الطَّلاقِ، فإذا انْضَمَّ إلى ذلك مَجِيئُه عَقِيبَ سؤالِ الطَّلاقِ، أو فى حالِ الغضَبِ، قَوِىَ الظَّنُّ، فصار ظَنًّا غالبًا. ووَجْهُ الرِّوايةِ الأُخْرَى، أَنَّ دَلالةَ الحالِ تُغيِّرُ حُكمَ الأقْوالِ والأفعالِ؛ فإنَّ مَن قال لرجلٍ: يا عفيفُ [ابنَ العفيفِ] (٧). حالَ تعْظيمِه، كان مدحًا له، وإن قالَه فى حالِ شَتْمِه وتَنَقُّصِه، كان قَذْفًا وذَمًّا. ولو قال: إنَّه لا يَغْدُرُ بذِمَّةٍ، ولا يَظْلِمُ حبَّةَ خَرْدَلٍ، وما أحدٌ أوْفَى ذِمَّةً منه. فى حال المَدْحِ، كان مدحًا بليغًا، كما قال حسّانُ (٨):


(٥) فى الأصل: "ينو".
(٦) فى الأصل: "حجة".
(٧) سقط من: الأصل.
(٨) كذا نسبه لحسان، وليس فى ديوانه، وهو لأنس بن زنيم، فى السيرة ٤/ ٤٢٤، وله ولآخرين فى الإصابة ٣/ ٥، وفى زهر الآداب ٢/ ١٠٩٣ دون نسبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>